الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

سلسلة النور المظلم وخديعة العالم الكبرى -الحزء الأول-

masonic
بقلم: عبد المجيد عقيل.
- قد لا تكمن أهمية هذه السلسلة في التعرف على الماسونية ذاتها ، بقدر أهميتها في إسقاط الفكر الماسوني كاستراتيجيات وأجندة على الأحداث السياسية في الحاضر والمستقبل.
” أن تفهم الفكر الماسوني يعني أن تفهم السياسة أكثر “.
-          ستتيح لك هذه السلسلة أن ترى العالم من زاوية مختلفة لم تكن تعرفها من قبل وستفتح عينيك على أمور كثيرة لم تكن تلحظها وإن كانت أمامك بغض النظر عن اقتناعك الكلي أو الجزئي بمحتوى هذه السلسلة.
-          ستكشف هذه السلسلة أكبر خديعة عرفها تاريخ البشرية.
-          لا تنسخ هذه السلسلة أو تقتبس عن أي كتاب أو سلسلة أو برنامج وثائقي، يرى صاحب السلسلة أن معظم من كتب عن هذا الموضوع قد وقع في أخطاء كثيرة أريد له أن يقع فيها ، لذلك كانت رواياتهم متناقضة في معظم الأوقات، ما فعله كاتب السلسلة هو الإطلاع على كافة وجهات النظر وإجراء التقاطعات بين: الكتب والوثائقيات المختلفة، إفادات شخصية، المنطق والواقع، وهو ما جعله يخرج من خلال هذه السلسلة باستنتاجات خاصة.
-          في ختام هذه السلسلة، اكتشافات خاصة وحصرية بصاحب السلسلة
من أهم النقاط التي ستعالجها سلسلة النور المظلم :
-          هل الماسونية هي الصهيونية فعلاً كما يروج في العالم العربي ؟
-          هل تهدف الماسونية العالمية إلى تحويل اسرائيل إلى القوة العظمى في العالم كما يقول معظم الباحثين في هذا المجال ؟
-          هل تدعم الماسونية العالمية الأنظمة الفاسدة أم الثورات ضدها ؟
-          ما هو النظام العالمي الجديد ؟ وما هي الأسس التي سيقوم عليها ؟
-          ما هو برنامج عمل الأخوية في المئة سنة الأخيرة ؟
-          لماذا يغيب الموقف السياسي الوسط والإعلام الوسط والمجتمع الوسط والدين الوسط ؟
-          كيف يفكر النخبة ؟ إن فهم طريقة تفكيرهم البسيطة إنما العبقرية يفتح آفاقاً جديدة في فهم سياسات العالم كلها.
-          المسيح الدجال الذي تنبأت به كافة الديانات البراهيمية ، هل هو موجود حقاً ؟ مفاجأة خاصة بهذا الشأن ونظرية خاصة بصاحب السلسلة في أجزائها الأخيرة.
-          2012 ليست نهاية العالم ، إذاً لماذا يكثف الإعلام الماسوني شائعاته حولها ؟
-          ما هو السيناريو المرسوم للحرب العالمية الثالثة ؟
-          هل الماسونيون هم حقاً عبدة شيطان كما يروج ؟!
وأمور كثيرة أخرى سأناقشها في هذه السلسلة .
الجزء الأول:
نخبة عالمية وأخويات سرية.
ما هي الماسونية العالمية ؟
الماسونية في تعريفها النظري جمعية تقوم على مبادئ وأهداف بناءة، وهي أخوية حقيقية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تنادي بالحرية والعدالة والمساواة والانسانية. يقال عادةً بأن الماسونية منظمة سرية، والحقيقة أن هذا القول ليس على درجة كبيرة من الدقة، فالمحافل الماسونية موجودة على العلن في العديد من بلدان العالم، كما أن كثيرين من أعضاء الأخوية يجاهرون بعضوياتهم ويفاخرون بها. إلا أن أفضل من وضح هذه النقطة هو الروائي “دان براون” عندما قال في روايته “الرمز المفقود” : “الماسونية ليست جمعية سرية، إنما جمعية ذات أسرار”.
وحتى أدخل إلى الموضوع بشكل مباشر كعادتي، دون إطالة وإملال، أقول بأن الشعارات البراقة التي ترفعها المحافل الماسونية ليست إلا شعارات نظرية، كما هو الحال بالنسبة للشعارات الحزبية وشعارات كل حملة انتخابية، فهذه الشعارات ليست إلا غطاءً للأجندة الحقيقية التي تعمل من أجلها الماسونية العالمية .
وبالتالي، إن طلبتم مني مجدداً أن أقدم لكم تعريفاً حقيقياً وصريحاً للماسونية العالمية، أقول ببساطة أنها “القوة الخفية” التي تدير العالم من وراء الكواليس، وتسيطر على سياساته المختلفة واقتصاده وإعلامه ومجتمعاته وثقافته وكتابة تاريخه، ومناهج التدريس في مختلف بلدانه، وصولاً إلى صناعة السينما، وبخاصة هوليوود، وانتهاءً بأفلام الكرتون والرسوم المتحركة.
تتركز المحافل الماسونية بشكل أساسي في الولايات المتحدة، راعية الماسونية الحديثة، والمملكة البريطانية، حاضنة الماسونية منذ نشأتها، و-بدرجة أقل- فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وسويسرا، إلا أن هذه المحافل تنتشر كذلك في كافة أنحاء العالم، وفي جل البلدان، أحياناً بشكل علني وصريح، وأحياناً أخرى بشكل سري، أو تحت مسميات مختلفة ومموهة.
وحتى لا يحدث التباس هنا، وتختلط الأمور لدى القارئ، أود أن أوضح هنا بأن ليس كل “عضو ماسوني” يحكم العالم أو يشارك في ذلك، فأعضاء الأخوية تبلغ أعدادهم مئات الآلاف حول العالم، وهناك في سوريا وحدها ما يزيد عن ثلاثة آلاف ماسوني، إلا أن الغالبية العظمى من أعضاء الأخوية هم أناس عاديون، يجهلون مثل غيرهم الأجندة الحقيقية التي تعمل عليها الماسونية العالمية.
فالهيكل التنظيمي لأعضاء الأخوية يقوم على تسلسل في الرتب وفق نظام هرمي، بحيث يتألف الهرم الماسوني من 33 درجة في بعض المحافل التي تتبع ” النظام الاسكوتلندي “، و13 درجة في المحافل التي تتبع نظام “يورك  “، والأمر هنا كاختلاف المناهج التدريسية وإن كان المضمون ذاته، والأهم من هذه التعقيدات هو مضمون الفكرة، بحيث تتم الترقية من مرتبة إلى أخرى بحسب قيمة الخدمات التي يقدمها العضو للأخوية، وكلما ارتقى العضو أكثر على سلم الدرجات الماسونية أصبح أكثر إطلاعاً على حقيقة مضمونها، الأمر الذي لا يتوفر له في المراحل المبكرة.
ولمزيد من التوضيح، يحصل الأمر كالتالي، يتم توجيه الدعوة لأحدهم للانضمام إلى الأخوية، إما بسبب فكره “المستنير” على حد تعبيرهم، أو بسبب مكانته المرموقة وقدرته على التأثير في المجتمع الذي يعيش فيه، بوصفه شخصية سياسية أو اقتصادية نافذة، أو أكاديمياً له شعبية واسعة، وما إلى ذلك. ويتم توجيه هذه الدعوة بواسطة أحد الناشطين في الأخوية، بحيث يتم في هذه الدعوة تقديم صورة مبهرجة تظهر الماسونية كجمعية بناءة، وهي الصورة التي تأتي مصحوبةً بتطميع “الشخص الهدف” بالمال، أو النفوذ، أو المنصب، أو المنحة الدراسية، وما إلى ذلك. أي أن ما يتم التركيز عليه هنا – في حال كان الشخص الهدف مهماً لديهم – هو تلبية ما يحتاج إليه هذا الشخص بشدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الدخول إلى الجمعية كثيراً ما يكون من بوابة المنظمات والجمعيات الخيرية، وأندية كالـ “روتاري Rotary” والـ ” اللايونز Lions”
إلا أن النظام هنا شبيه بنظام “المافيات”، يبدأ الأمر بعملية بيع – شراء ، ثم يذهب الأمر باتجاه الابتزاز وإجبار العضو على تنفيذ الأوامر مقابل حياته وحياة من يحب، فالانسحاب من الأخوية هو بمثابة انتحار واضح وصريح. وكذلك الأمر بالنسبة للتمرد عليهم، أو إفشاء أسرارهم، أنصح القارئ هنا بالبحث عن خفايا أسباب بعض الاغتيالات التي طالت شخصيات مهمة عبر التاريخ، مثل جون كينيدي ، والأميرة ديانا ، ومايكل جاكسون .
فمنذ اللحظة التي تقرر فيها أن تنتسب إلى الأخوية، يأخذون بيدك نحو إحدى المحافل الماسونية الكبرى، في الولايات أو بريطانيا أو فرنسا في معظم الحالات، وهناك يتم تنسيبك في ظل طقوس شعائرية مريبة ، بحيث يعصبون عينيك، ويربطونك من خصرك بحبل متين، ويجرونك إلى حيث هو الكاهن الأكبر، لتركع على ركبتيك وتشرب من إناء يشبه الجمجمة سائلاً غريب الطعم، ثم تؤدي قسماً خاصاً بينما سيف كبير يتحسس عنقك. يتضمن عهداً منك بأن يكون انتماؤك للماسونية هو ولاؤك الأول، واعترافاً صريحاً منك بأنك تستحق الموت إن فكرت يوماً في خيانة هذا العهد.
سيقطعون الحبل آخر الأمر، فأنت ولدت من جديد، وخرجت من رحم حياة مظلمة كنت تعيش فيها طيلة حياتك السابقة. سيقطعون الحبل السري هذا ويزيلون العصبة عن عينيك، أنت الآن ترى النور أخيراً، نور الحقيقة التي لن تعرفها إلا من خلالهم.
ستطوف حول الهيكل كما تدور الكواكب حول الشمس، هذا الطواف لطالما كان مقدساً في جميع الأديان، وهذا الهيكل يمثل معبد سليمان في العقيدة اليهودية، ستصلي للهيكل، ومن ثم تقسم على ثلاثة كتب مقدسة، قرآن وإنجيل وتوراة، حتى تلك اللحظة، الماسونية لا تبدو بالنسبة إليك معادية للأديان، إنما هي تحترم جميع المعتقدات الدينية، دون استثناء.
وبعد أن تكتمل إجراءات تنسيبك إلى الجمعية، يتم تلقينك في المراحل الثلاثة الأولى العلوم والمعارف الخاصة بالأخوية، ستدرس في مكتباتهم كتباً تروي جوانب من التاريخ لم تكن على إطلاع عليها من قبل، وستدرس علوماً خاصةً بهم، منها ما يدعى بالـ “رياضيات المقدسة”، فمن أهم المعتقدات الماسونية أن الإله – الذي يدعى لديهم بالمهندس الكوني الأعظم – قد خلق الكون وفق نظام رقمي دقيق جداً، وبالتالي فإن كل ما هو في هذا الكون قائم بشكل أساسي على الأرقام والنسب الرقمية.
وبعد أن يتلقى العضو الجديد المعارف الأساسية، ويتم التثبت من قدرته على خدمة الأخوية، وفق عملية تصفية نوعية، تتم مساعدة هذا العضو على تقلد منصب صغير في حزب ما، أو مكانة معينة في مجتمع ما، أو مساعدته على إطلاق مشروع تجاري معين، وفي الوقت الذي يتم فيه تقديم كافة أشكال الدعم لهذا العضو بواسطة الشبكة الماسونية المتغلغلة ضمن جل الأنظمة والحكومات والأحزاب والتيارات السياسية، فإن على هذا العضو أن يجند منصبه أو مكانته أو مشروعه لخدمة الأجندة الخاصة بالأخوية. أي باختصار : نحن نمنحك المنصب، وأنت تجند هذا المنصب لخدمة مصالحنا. وبالتأكيد فإنه كلما ثبت نجاح العضو أكثر وقدرته على تنفيذ الأجندة الماسونية تمت ترقيته أكثر على سلم الدرجات في الهرم الماسوني، ومنحه مناصب أكبر في الحياة العملية، وبالتالي مهاماً أكبر.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن هذا العضو قد يجد نفسه بعد عدة مراحل من الترقية، على مواجهة مع مهام ومتطلبات تتناقض مع دينه أو مبادئه أو عرضه أو انسانيته، لكن بعد أن يكون الأوان قد فات على الرفض، ستتم تصفيته وربما إيذاء أقرب أحبائه قبل أن يكمل كلمة ” لا ” .
من الجدير بالذكر أيضاً، أنه مهما تمت ترقية أحد الأعضاء، وبلغ مكانةً مرموقة في الأخوية، فإن هذه المكانة لن تخرجه عن حقيقة أنه عبد مأمور لا أكثر، فهو لن يصل بأي حال من الاحوال إلى المكانة التي تتيح له المشاركة في إدارة العالم، لأن من يفعل ذلك حقيقةً، هي مجموعة نخبوية Elite Group لا يزيد عدد أعضائها عن 1000عضو في العالم كله، يتدرجون مجدداً ضمن ترتيب هرمي معين يضيق من محيط دائرة الحكم إلى 300 عضو، ومن ثم إلى ما لا يزيد عن 13 شخصية عالمية.
تقوم هذه المجموعة النخبوية في أساسها، على التقاء تيارين مختلفين، إنما يتلاقيان في مصالحهما من حيث السيطرة على العالم في سياسته واقتصاده، بحيث يمثل التيار الأول رؤوس الأموال العملاقة التي تجسدها عائلات يهودية مثل ” فورد ” و ” روتشيلدز  ” و ” روكفيلر “، وهي الأسر المهيمنة على الأنظمة البنكية العالمية، أما التيار الثاني فيقوم على أساس سلالات الدم الملكية النخبوية ، والتي تنحدر غالب الأمر من العرق الآري، ولطالما حافظت على نقاوة دمها الملكي.
تدعى هذه المجموعة النخبوية بالطبقة المستنيرة  ، كما تدعى بالجمعية التنويرية البافارية ، وتتألف كما ذكرت من أسر وشخصيات نخبوية جينياً وسلطوياً ومالياً، بالإضافة إلى النخب المستنيرة فكرياً التي غالباً ما تصل إلى الطبقة المستنيرة عن طريق الجمعية الماسونية، فكما أن للماسونية سلم هرمي، فإن الهرم الماسوني ذاته هو جزء من هرم الأخوية التنويرية المسيطرة، إذ تبدأ الدرجات التنويرية حيث تنتهي الدرجات الماسونية.
ما أريده هنا من القارئ هو بعض التركيز، فلطالما اختلطت الأمور على المهتمين بهذا المجال، ما بين الماسونية والصهيونية والطبقة المستنيرة، وأنا هنا بصدد توضيح الصورة حول هذا الالتباس.
الماسونية أولاً ليست هي ذاتها الصهيونية، وهو خطأ شائع قد يكون سببه القرار رقم “2309″ الذي صدر عن جامعة الدول العربية سنة 1979، والذي نص على اعتبار الماسونية حركة صهيونية، سأتحدث عن الأسباب والخلفيات التي أدت إلى صدور نص القرار بهذا الشكل لاحقاً، أما الآن فأكتفي بالقول أن هذا القول خاطئ تماماً، فالصهيونية هي مجرد أداة لتحقيق أهداف الماسونية، ومجرد جزء من المخطط الكبير للأخوية، وبالتالي فمن الأصح القول بأن الصهيونية حركة ماسونية، وليس العكس، والفارق هنا في علاقة التابع والمتبوع.
أما عن العلاقة بين الماسونية والطبقة المستنيرة، فأقولها مرةً أخرى، الأخوية الماسونية وغيرها من الأخويات والجمعيات السرية الأصغر منها والأقل أهميةً كفرسان مالطا وجمعية الجماجم والعظام وجمعية الفجر الذهبي والجمعية الروزيكروشية وجمعية سيون الدينية هي أجزاء تشكل المستوى الأدنى من الهرم الأكبر، تقودها في المستوى العلوي الطبقة المستنيرة النخبوية. وما تلعبه الماسونية وغيرها من الأخويات هنا من دور، هو كونها تؤمن للنخبة الوصول إلى كل قطاع سياسي أو اقتصادي أو علمي أو إعلامي في العالم من خلال نفوذها وتغلغلها في جل الأنظمة والحكومات، فهي إذاً وسيلة للربط ما بين العالم النخبوي وأرض الواقع.
إن الخلط الحاصل لدى كثيرين بين التنظيمات السابقة قد أدى إلى ظهور روايات متناقضة حول تاريخ ظهور تلك التنظيمات، فهناك من يقول بأن الماسونية ظهرت للعالم في القرن الثامن عشر، وهناك من يجعلها وليدة العصور الوسطى في أوروبا، بينما يبتعد آخرون بالقول إلى أنها تعود إلى أزمنة سحيقة، كالحضارة المصرية القديمة.
صراحةً، لا أريد الخوض في تاريخ التنظيمات السرية في هذه السلسلة، لأنه شديد التعقيد أولاً، بحيث أشك أن أحداً في العالم يعرف بشكل دقيق كيف ومتى نشأت تلك الأخويات والجمعيات، وكيف اتصلت وتشابكت مع بعضها البعض، وكيف سارت الأمور حتى وصلت ” الشبكة ” إلى ما آلت عليه اليوم. أما ثانياً، فلأن ما يهمنا أكثر هو برنامج عمل الأخوية في المائة سنة الأخيرة، وما له من آثار وانعكاسات على واقعنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحياتي، وما يتم التحضير له من أجل المستقبل، كما من المهم جداً توضيح الأسس الرئيسية التي يقوم عليها “الفكر الماسوني”، فأن تفهم الفكر الماسوني يعني أن تفهم السياسة أكثر، ويعني أن تفهم العالم من حولك أكثر.
رغم ذلك، لابد لي من تقديم موجز صغير حول تاريخ الماسونية، للإجابة عن التساؤلات الكثيرة التي لم تفلح الكتب والبرامج الوثائقية والأبحاث المختلفة في الحد منها، إنما زادت من كثافتها، نتيجة تضاربها وتناقضها مع بعضها البعض، ولإزالة تلك التناقضات، وبعد أن أجريت العديد من التقاطعات أقول:
كان هناك بالفعل فكر تنويري معين، ظهر إلى العالم منذ زمن بعيد جداً، يعود إلى الحضارة البابلية، وإلى وجود أخوية عرفها ذلك الزمن باسم ” الأخوية البابلية القديمة “. قام هذا الفكر التنويري على فلسفة خاصة وعقيدة استثنائية وعلوم باطنية، وانتقل من حضارة إلى أخرى، فتمثل في حضارة مصر الفرعونية، وحضارة المايا في أمريكا اللاتينية، وغيرها من الحضارات القديمة، ثم أخذت الأخويات تتناقل هذا الإرث، الذي أصبح على درجة أكبر من السرية بتقدم الزمن، واحتكرته فئات نخبوية دون غيرها، حتى وصل هذا الإرث إلى أخوية تدعى بأخوية فرسان الهيكل، والمقصود بالهيكل هنا معبد سليمان ، الذي ما زال حياً في الأساطير اليهودية التي تقول بوجوب إعادة تشييده مكان المسجد الأقصى في أورشليم “القدس  “، لكي يهبط ملك اليهود ومسيحهم المنتظر من السماء ويحكم العالم من الأرض المقدسة، أرض الميعاد.
فرسان الهيكل هؤلاء، تواجدوا في بريطانيا وفرنسا في فترة الحروب الصليبية، وقد كانت مهمتهم المعلنة حماية الحجاج المسيحيين من أوروبا إلى بيت المقدس، لكن المتعمق في تاريخ فرسان المعبد، أو تاريخ الجمعيات السرية يدرك تماماً بأنه قد كان لديهم ما هو أكثر من ذلك ليفعلونه.
تؤكد الكثير من المراجع بأن أخوية فرسان الهيكل كانت قائمةً على حماية سر ما، وربما يتعلق الأمر بالـ “غريل ” أو الكأس المقدسة المذكورة في العهد الجديد، والتي ما زال الكثيرون حتى اليوم يتحرون في شأنها ، وعن حقيقتها وماهيتها، كما تحدث الروائي ذائع الصيت ” دان براون ” في كتابه ” شيفرة دافينتشي   ” – الذي أثار ضجة واسعة – عن حقيقة الكأس المقدسة، وإلى كونها ترمز إلى سلالة يسوع المسيح نتيجة زواجه من مريم المجدلية ، كما أشار إلى أن مهمة فرسان الهيكل في الواقع كانت متمثلةً في حماية سلالة المسيح، التي أنكرها التاريخ – حسب رأيه -، وأن ما كان يملكه فرسان المعبد من وثائق كفيل بتدمير الديانة المسيحية التي نعرفها اليوم إذا ما ظهر إلى العلن.
وبغض النظر عن الروايات المتعددة حول لغز فرسان الهيكل، فإن الشيء الأكيد هو أن الفكر التنويري قد وصل إليهم بشكل ما، والذي سأطلق عليه هنا تجاوزاً مصطلح “الماسونية القديمة  “.
هنا نقطة تحول هامة، في سنة 1307 يتم إلقاء القبض على فرسان الهيكل الفرنسيين واعتقالهم بأمر من ملك فرنسا، ويتزامن هذا الأمر مع اختفاء فرسان بريطانيا وتواريهم عن الأنظار، ليتظاهروا بأنهم مجرد عمال بناء، وينشؤوا بعد ذلك بحوالي خمسين سنة، وتحديداً سنة 1356، شركة البنائين الأحرار ، ليصدر بعد ذلك ما تم اعتباره النص الماسوني الأول سنة 1390، وتعتبر هذه الفترة البداية الحقيقية والرسمية للماسونية العالمية.
إذاً، الفكر التنويري كان موجوداً منذ زمن بعيد يعود إلى ما قبل الميلاد، وتمثل في عدة حضارات وجمعيات أخوية “انتهاءاً” بالجمعية الماسونية.
أما نقطة التحول الأكثر أهمية، فقد كانت في القرن الثامن عشر، عندما تم إنشاء محفل الشرق الأكبر سنة 1776، والذي عرف لاحقاً بمنظمة الطبقة المستنيرة . في تلك الفترة، كان التنسيق بين الأخويات السرية قد بلغ أفضل مستوياته، ويمكن أن نقول بأن الفترة الممتدة من أواخر القرن الثامن عشر إلى أواسط القرن التاسع عشر، شهدت تنظيم الشبكة الكبرى، وهيكلتها على الشكل الذي هي عليه اليوم، وهي منذ ذلك اليوم تعمل على الأجندة التي وضع خطوطها العامة البروفيسور المتنور آدام وايزشوبت  مع إعلان تأسيس محفل الشرق الأكبر.
وبنهاية القرن التاسع عشر، كانت النخبة المفكرة لدى الأخوية قد رسمت البرنامج النهائي لها، الذي تم إطلاقه أخيراً في القرن الماضي، وما زالت مراحله تتوالى حتى اليوم بتسارع شديد، وفي الاتجاه الذي أرادته الأخوية منذ أكثر من مئة سنة، بغية الوصول إلى هدفهم النهائي والأكبر، النظام العالمي الجديد، أو عالم التنوير، وهو الذي سأتحدث عنه بالتفصيل في هذه السلسلة.


في الجزء القادم من السلسلة :
أتحدث عن مشروع النظام العالمي الجديد، ما هي الأسس والقواعد الرئيسية التي يقوم عليها، كيف تعمل النخبة على إرساء هذه الأسس، وما هي الأدوات التي تستخدمها في سبيل ذلك..


——————————————
تنويه : إن جل المعلومات الواردة في هذا الجزء هي محصلة شخصية خرجت بها بعد إجراء كم كبير من التقاطعات بين المراجع والكتب المختلفة التي بحثت في شأن الأخويات السرية القديمة. يمكن لمن يرغب في الاستزادة حول الجانب التاريخي من القصة، ومنشأ الأخويات السرية المختلفة وتطورها، أن يطلع على الكتب التالية : ” أحجار على رقعة الشطرنج ” و ” دخان أحمر يعلو أميريكا ” لـ ويليم كار ، و كتاب ” السر الأكبر ” لـ ديفيد آيك. فهذه الكتب غنية بالمعلومات التفصيلية والكثيفة، مع تأكيدي على أني لا أتبنى شخصياً جميع المعلومات الواردة فيها.
تنويه2 : بعض المعلومات الواردة هنا، أخبرني بها، أو أكد لي عليها، أعضاء في الجمعية الماسونية، أو بعض الأندية المنضوية تحت لوائها، خاصةً فيما يتعلق بطقوس تنسيب الأعضاء الجدد، والعلوم التي يتم تلقينها داخل محافل الأخوية، والكيفية التي ترتبط بها الجمعية الماسونية مع الفئات النخبوية

هناك تعليقان (2):

  1. أعتذر بشأن هذا التعليق ..، لكن هل أنت متأكد بخصوص وجود هذا العدد من الماسونيون في سوريا ( مايفوق ثلاثة آلاف ماسوني ) .
    إذ كنت متأكد من ذلك حقاً ..، هل يمكنك إعطائي بعض أسماء الشخصيات وأرجو التوسع في القائمة ..، هدفي من ذلك هو الاطلاع فقط ..، لأن هذه معلومة نادرة لم أسمعها قط على الرعم أنني أعلم بوجود عدد من الماسونيين في سوريا ولكن ليس إلى هذه الدرجة التي قمت بوصفها

    ردحذف
  2. أعتذر بشأن هذا التعليق ..، لكن هل أنت متأكد من فكرة وجود هذا العدد من الماسونيون في سوريا ( ما يفوق ثلاثة الاف ماسوني كما ذكرت ) ...، إذ كنت متأكد بخصوص ذلك حقاً ارجو إرسال قائمة موسعة قليلاً عن أسماءهم إذ كان لديك فكرة عن ذلك ..، على الرغم أنني أعلم وجود ماسونين في سورية لكن ليس إلى هذه الدرجة التي وصفتها .

    ردحذف