الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

بارونات المجتمع المدني يواجهون الإفلاس والاتهام بالعمالة قطط أمريكا المدللة

 


وقع المحظور .. وبدون إبداء الأسباب وبدون مقدمات ..قررت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تخفيض قيمة التمويل لمنظمات المجتمع المدني في مصر بنحو40 بالمائة في ميزانية العام المالي الحالي .. تاركة جيشا بأكمله من القوي الناعمة الممولة في العراء يواجه الإفلاس والحقيقة المرة: الاسترزاق والتربح علي حساب الكرامة الوطنية.. وهو ذات الرصيد الذي يفوز به الجواسيس والخونة في نهاية الخدمة .
شبكات بأكملها من منظمات المجتمع المدني التي تتخذ من حقوق الإنسان حجابا, ومن دعم الحريات ستارا , تركها الرئيس أوباما في العراء بعد أن قدمت هذه الشبكات من التقارير للحكومة الأمريكية ما يكفيها الحاجة لجهود رجال المخابرات لسنوات مقبلة .. دون أن تتلقي تعويضا أو معاشا تقاعديا أو حتي .. خطاب شكر , لقد كان كل ذلك متوقعا .. لكن شهوة الطموح إلي الزعامة باختطاف المجتمع وفرض الوصاية عليه واستبدال دور الدولة وتقليل مناعة المجتمع ضد التطبيع .. كانت أكبر فيما يبدو من أي مصلحة وطنية وأي التزام قومي .. والأدهي أنهم ظلوا يرددون طيلة الوقت حجة زائفة وتافهة في مقابل التحذيرات من قبول التمويل الأجنبي : وإيه يعني .. (الدولة) ذاتها ممولة !!
ونضع الدولة هنا بين قوسين .. لقد كانت واحدة من أهدافهم تفكيك الدولة المصرية, الاتهامات طيلة الوقت للدولة .. الحديث عنها والانتقاد لا يوجه إلا إليها .. واللعبة كلها كانت نصبا واحتيالا .. فالدولة هي الحكومة والمعارضة والشعب والجيش والأرض والسيادة .. فإذا ما واجهت قطط أمريكا المدللة بهذه الحقيقة.. وجدتهم يشيرون إلي الحكومة .. وإذا ما قمت بتحليل محتوي خطابهم .. وجدت عداء رهيبا للتاريخ والجغرافيا المصرية .. ووجدتهم يتغنون طيلة الوقت بإسرائيل .. بلد الحريات !!
كلمة السر
عشرة ملايين دولار شطبتها الإدارة الأمريكية من المعونة المخصصة لمصر للعام المالي 2010- 2009.. , كان من المفترض أن توجه مباشرة لما يسمي بمنظمات المجتمع المدني ..وهي جمعيات غير مسجلة وفقا لقانون الجمعيات الأهلية في مصر .. هذه الملايين العشرة تعد خسائر في حسابات جيش المنتفعين ببيع وتقسيم كرامة وسيادة الوطن .. والأهم أنها تعد ضربة في الصميم لمفهوم ( المجتمع المدني ) الذي لا نفهم حتي اليوم من الذي اخترعه في لغتنا العربية !!
الأصل في أي مجتمع أنه مدني .. ليس بنسب المجتمع إلي المدينة .. وإنما إلي المدنية (بفتح الميم والدال ) .. ولا يوجد في أدبيات التمويل الأجنبي لهذه المنظمات ما يشير إلي أنها مجتمع مدني .. ولا تسمي هذه الجماعات في اللغات اللاتينية بأسرها بهذا الاسم .. ولكن فيما يبدو أن هذه التسمية لها دلالات أو وظائف.. فهي ربما تعني التمييز بين من يعملون لحسابها ومن يعملون لحساب الوطن الأصلي .. بحيث يكون لمن هم بداخلها امتياز لا ينبغي لأحد غيرهم .. أو أن تكون التسمية للتفريق بين مجتمعين أحدهما مدني والآخر ليس كذلك .. وفي مصر التي اخترعت المدنية والحضارة .. لا يوجد غير مدني سوي المجتمع العسكري .. وهو مجتمع له خصائصه وسماته التي تتناسب ووظيفته في الدولة .. فإذا كان المقصود من تسمية هذه المنظمات تحديد التحدي المطلوب أن تواجهه وفقا لهذا المعني .. تكون أمام تنظيمات وظيفتها إفقاد مصر مناعتها ضد العدوان وتسليمها لأي احتلال عسكري .. وهو الأقرب في الواقع لحالة (الاحتلال المدني) التي تقوم بها هذه المنظمات .. فالثابت من خلال الوثائق (وتحديدا البيانات التي يصدرونها والتقارير التي يرفعونها للخارجية الأمريكية وغيرها من الجهات الأجنبية) .. أن هذه المنظمات تبدو وكأنها حكومة احتلال .. لا أحد يعلم من الذي نصبها .. وإلي أي سلطة يستندون أو إلي أي إجماع شعبي يرتكنون .. فإذا ما تأملنا حالة الاستقواء بالغرب وبالذات أمريكا .. ومحاولاتهم التأثير علي القرار المصري .. بمحاصرة الدبلوماسية المصرية في الخارج .. لفهمنا الغاية من تمويل وتشكيل هذه الجماعات ونظمهم في شبكات تعمل في كل نطاق حساس في الدولة المصرية .. بداية من حقوق الشواذ جنسيا .. مرورا بالحق في الإلحاد .. نهاية بإبراز التمييز الطائقي بين المصريين من باب دعم حقوق المواطنة !!
لقد استخدم جنود الاحتلال المدني الممولون أمريكيا مصطلح المجتمع المدني بوضوح ليعلنوا هويتهم دون أن يبالي أحد بمناقشة ( المصطلح) ودلالاته .. وردد الكثير هذا المصطلح في وسائل الإعلام دون أن يعي ما يقف وراء الجملة .. والأهم أن الإشارة إليهم كانت مقترنة طيلة الوقت بكلمة (التغيير) !!
في نظرية التغيير في العالم العربي من خلال الفوضي الخلاقة .. لصاحبتها كوندوليزا رايس , يتوجب تفكيك المجتمعات وإطلاق الصراع بين أجزائها .. بحيث ينتهي الصراع ببقاء الاقوي .. وهذا الأقوي لابد وأن يكون مواليا للمصالح الأمريكية .. وهكذا يتحقق للولايات المتحدة تغيير الأنظمة في العالم العربي المسلم دون التضحية بجندي أمريكي واحد وبالذات بعد درس أفغانستان والعراق .. وتغيير الأنظمة في العالم المحيط بإسرائيل - بالمناسبة هي واحدة من أهم أهداف إستراتيجية الأمن القومي التي اعتمدها الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2002 , وهي منشورة علي الإنترنت ليومنا هذا !!
هل فهمنا لماذا ينبغي أن يكون الحراك الاجتماعي والسياسي في مصر بأموال أمريكا ؟ .. ولماذا ينبغي علينا أن نتقبل ونتفهم ونتسامح مع نجوم ( التغيير ) بكارت الفوضي المدفوع مقدما ؟
مائدة الشيطان
القاعدة العلمية المثبتة: لا توجد وجبات مجانية في عالم العلاقات الدولية .. ولا توجد موائد رحمن لجماعات الرفض الاجتماعي والسياسي في أي مجتمع .. لكن توجد الأموال ومعها الشروط اللازمة لمنح التمويل .. بما يتواءم ومصالح صاحب المال .. والدول تمنح معوناتها للدول الأخري لأهداف إستراتيحية طويلة الأمد .. غالبا ما تتعلق بحماية المصالح المشتركة أو الدفاع عن هذه المصالح وصيانتها .. لكن عندما تمول الدول جماعات وأفرادا في مجتمعات أخري .. فهي لا تبحث إلا عن مصلحة واحدة .. اختراق هذه المجتمعات والالتفاف من حول حكوماتها الوطنية.. وخلق طبقات من أهل هذه المجتمعات المؤيدين لمطامعها .. التي تجد ممانعة لدي الحكومات في تمريرها .. وبالقياس لثوابت الحكومة المصرية .. لا نجد لديها خطا أحمر في علاقاتها الدولية إلا في أي شيء يمكنه أن يمس (الأمن القومي) .. وهنا تبرز بوضوح خطورة مائدة الشيطان التي أتاحتها أمريكا ومعها عدد لا بأس به من دول الاتحاد الأوروبي .. لجماعات ما يسمي (منظمات المجتمع المدني).
إن نظرة سريعة علي شروط التمويل لهذه الجماعات ربما تعطينا فكرة عن قائمة الطعام التي تقدم علي هذه الموائد .. ففي مقال للدكتور إبراهيم البيومي غانم, نشر في الأهرام في 5 سبتمبر الماضي .. توجد تساؤلات واضحة حول أولويات عمل هذه المنظمات .. فبعض هذه المنظمات تشترط عليها الجهات المانحة نخصيص أهدافها في مكافحة (ختان الإناث) وتعطيها أولوية أسبق وأكبر من مكافحة (العنوسة) التي تحتل أولوية كبري لدي المجتمع المحلي (في مصر9 ملايين عانس فاتهن سن الزواج) .. كما تعطي جهات مانحة أخري أولوية كبري لقضية (مشاركة المرأة في العمل السياسي) .. بصرف النظر عن التركيز علي قضية (محو أمية النساء) .. ومن المعروف أن نحو 40 بالمائة من نساء مصر أميات .. وبينما تضع الجهات المانحة الكثير من الأموال للدفاع المستميت عما يسمي (حقوق الأقليات) .. نجد أن الأقليات والأغلبيات تعاني انتهاكات واحدة .. فلماذا يتم هذا إن لم يكن لإبراز الطائفية وتزكية الصراعات في المجتمع, لكن الأمر الذي لم يتطرق إليه الدكتور غانم .. هو تحليل أجندة التمويل فيما يتعلق بحماية (حقوق) الشواذ جنسيا .. والأخطر .. ما يتعلق بحقوق (البهائيين) .. ولماذا تقف الأموال الأمريكية وبسخاء إلي جوار كل شذوذ جنسي أو ديني؟ .. ولماذا تتبني ألوانا جديدة من الدعوة الإسلامية .. وتعتبر أن بعض الدعاة الجدد مشروع زعامة في مصر ؟.. علي غرار مقال النيويورك تايمز الشهير الذي نصب مولانا الشيخ المحاسب عمر خالد زعيما للشارع المصري .. وبالمناسبة هذه الصحيفة التي نسيطر عليها أموال اللوبي اليهودي والوثيقة الصلة بالمخابرات الأمريكية .. هي ذاتها التي تبنت أن يلتقي الرئيس بوش والقاضيان مكي والبسطويسي اللذان كانا أبرز رموز ما سمي بأزمة القضاة .. علي اعتبار أن واحدا من هذين الرجلين يصلح لحكم مصر .. والأهم : لماذا يتوجب علي هذه المنظمات أن تتحرك تحت ستار ( الحقوق) .. بصرف النظر عن الواجبات الأصيلة للمواطنة .. وأهمها : صيانة حرية واستقلال الوطن
إسرائيل دائما
لقد كانت قطط أمريكا المدللة تتلقي حليب الدولار الأمريكي بصفة منتظمة منذ أمد بعيد يسبق ما جري في 11 سبتمبر .. وكان الهدف هو تمرير التطبيع مع إسرائيل, وقد كشفت الباحثة المرموقة المرحومة سناء المصري خفايا هذا التمويل في كتابها العبقري (تمويل وتطبيع.. قصة المنظمات غير الحكومية) الذي صدر 1998, وكان سؤالها العبقري بشأن تحول عتاة الشيوعيين والقوميين والإسلاميين إلي دعم أجندة أمريكا في تمرير التطبيع هو جوهر كتابها الكاشف, والذي عري وكشف وحذر من (سبوبة) الاتجار بالاستقلال الوطني .. قبل أن ترحل عن دنيانا بعد ذلك بسنتين .. ومن الغريب أن مراكز الأبحاث في أمريكا ذاتها حارت في تفسير حالات ( التطوع) التي بادرت بها قطاعات من الشيوعيين والناصريين والقوميين والإسلامويين لتلقي دولارات الدعم في سياق مبادرة كولن باول للشراكة اليورومتوسطية .. وهي أبرز المبادرات التي خصصت الملايين من الدولارات لدعم نظام الفوضي الخلاقة في الشرق الأوسط .. بما في ذلك تمويل إصدار صحف ومحطات إذاعية وتليفزيونية .. لتفكيك المجتمعات العربية .. وإفقادها وهو الأهم أي ممانعة لسيادة الإرادة الإسرائيلية في الشرق الأوسط.
لقد حار الباحثون في مراكز لها ثقلها كمركز كارنيجي وإنتربرايز الأمريكيين في البحث عن أسباب تمويل هذه النوعية من العملاء .. الذين لو تحققت لهم السلطة في ظل الفوضي الخلاقة, فلن يكونوا أدوات طيعة في الأذعان للإرادة الأمريكية .. ولن يقدروا علي تجاوز تطرفهم .. والأدهي أن الباحثين أنفسهم حاروا في البحث عن إجابة لسؤال مهم : لماذا تريد أمريكا (فرض) الديمقراطية علي مصر والعالم العربي .. وهي تعلم أن الشعوب التي تريد تطبيق نموذجها الديمقراطي عليها .. ترفض كل مطامعها .. وترفض الجسد الغريب المدسوس علي الشرق الأوسط .. والذي يحظي بالأولوية والرعاية الأمريكية .. إسرائيل ؟!
اليوم .. الذين دفعوا الملايين من الدولارات من أجل تفكيك الدولة المصرية بارت تجارتهم وتبخرت أموالهم في فراغ الوهم .. والذين شربوا من حليب بقرة الفوضي الخلاقة الأمريكية أصبحوا مطالبين الآن بدفع فاتورة الحساب ..أمام بني أوطانهم , أما الذين تصوروا أن القوات الناعمة الممولة أمريكيا هي نموذج القيادة في هذا الوطن .. وأن التمويل الأجنبي من أنبل الظواهر التي شهدها عالم ما بعد 11 سبتمبر .. فقد حان أوان إعادة برمجة معارفهم .. للتمييز ما بين حالة الخيانة تحت الطلب .. وبين المعارضة الديمقراطية المشروعة.

المصدر: الأهرام العربى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق