الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الوضع في سورية ينحدر بشكل جامح إلى الحرب الأهلية

 لدى تحليل المسارات المحتملة لتطور الوضع في سورية، من الضروري الإشارة إلى عدد من العوامل الهامة، التي سيكون لها تأثيرها المباشر في المستقبل المتوسط المدى.
وهي، أولا ـ موقف روسيا والصين في الأمم المتحدة من إقرار مجلس الأمن الدولي قرارات “معادية لنظام بشار الأسد”. ولا تستطيع زحزحة الوضع في سورية، وبعبارة أدق الإخلال بتوازن القوى الراهن  لصالح المعارضة،  إلا قرارات “مؤلمة جدا” من مجلس الأمن، بوسعها تقويض وضع البلد الاقتصادي، الذي هو ليس في أحسن حال أصلا، وكذلك السماح بإمكانية فرض حصار بحري وبري. وإذا أضيف إلى هذا قرار اتهام من المحكمة الجنائية الدولية (اخذ هذا يصبح ممارسة معتادة)، فان نظام بشار الأسد سيعاني من أعباء مفرطة، واغلب الظن سينهار بسرعة. وفي هذه الحالة لن تستطيع مساعدته إي جهة، بما في ذلك إيران. ولكن طالما موسكو وبكين تبديان الثبات في هذه القضية، ستصمد دمشق. وانطلاقا من كل الشواهد، لن يتغير موقف هذين العضوين الدائمين في مجلس الأمن في القريب.
وثانيا ـ تلاحظ الآن مرحلة انتقال الاحتجاجات ذات الطابع السلمي البحت في سورية إلى طور المواجهة المسلحة. وتؤكد هذا بجلاء  “الأخبار من المواقع”، وان المعارضة نفسها تؤكد هذه الواقعة بصراحة، وان كان دون رغبة. ويجدر التذكير بان الموقف المعروف سابقا لمعارضي النظام كان يعتبر كافة الضحايا من أفراد القوات المسلحة والمخابرات السورية من إعمال النظام نفسه. وكانت هذه المقولة تثير شكوكا كبيرة من البداية، لان أعداد القتلى والجرحى بين أفراد مؤسسات القوة السورية دحضت ذلك بشكل قاطع. وتمارس فصائل المعارضة المسلحة نشاطها الآن، حسب معلومات عدد من الخبراء، بشكل نظامي في ريف دمشق وحماه وحمص ودرعا. وهذه الفصائل بصورة أساسية من المسلحين البدو، الذين يحصلون على السلاح من أبناء جلدتهم العراقيين.  كما يوجد ممثلو “الإخوان المسلمين” السوريين، مما يثر القلق. وبعبارة أخرى  نشأت ظاهرة اتساع المناطق التي انتقلت فيها المعارضة في الذود عن مصالحها إلى الأسلوب المسلح، أسلوب حرب الأنصار. وهذا التطور سيتنامي، لان تكتيك المعارضة القديم بالالتزام بالأساليب السلمية البحتة  قد استنفد طاقاته تماما، والشباب الذين يميلون إلى الإجراءات الفعالة، سيشاركون بنشاط اكبر في صيغ النضال بالقوة.
وعم سيتمخض هذا؟ بلا ريب سيزاد بشكل حاد خطر تحول حرب الأنصار المحدود إلى حرب أهلية شاملة. وهذا وخيم بانقسام البلد، أو كحد ادني، ضعف سيطرة المركز على المناطق الثانية، وبالمرتبة الأولى المناطق الكردية، مما سيدفع الأكراد بدورهم إلى العمل بنشاط على البحث عن سبل لتقرير المصير. إن قيادة المعارضة، مهما تدلي من  تصريحات، تدرك بشكل جيد أن الأكراد يستهدفون في نهاية المطاف تقرير المصير وإقامة “دولة كردستان الكبرى”. وتستوعب هذا أيضا انقره، ومن هذا ينبع اهتمام الأتراك غير الرسمي بالنزاع السوري الداخلي. فهم يفهمون أن بشار الأسد لن يستطيع كبح جماح الأكراد في ظل تطور الأحداث هذا. ولن يود في المستقبل على حد الزعم، إغاظة حليفه السابق. وهذا “فك الارتباط بالمركز عن وعي” مقابل الحفاظ على الهدوء النسبي في تكتيك دمشق. وعلى سبيل المثال، منح البرجوازية التجارية الصناعية السنية في حلب عمليا “تسهيلات ضريبية”، مما يضمن عدم مشاركة سكان المدينة في الصدامات. وان عددا كبيرا من مؤسسات المدينة التجارية تتعامل مع الشركات التركية. وبوسع انقره، في الحقيقة، القيام بخطوات معينة على اتجاه المقاطعة الاقتصادية، ولكن مدى رغبة اردوغان في تكدير حياة التجار الأتراك تبقى حاليا قضية مفتوحة. وستواصل القيادة السورية تكتيك “إصلاح النظام الاقتصادي بشكل خفي”، لأنه الأسلوب الوحيد الذي يهدئ المشاعر ويعيد توازن المصالح. وان النخبة العلوية على استعداد لفسح المجال في هذه القضية للآخرين.
وثمة نقاط أخرى توضح انحدار الوضع بشكل جامح إلى الحرب الأهلية. وهي، بالمرتبة الأولى رفض المعارضة القاطع الحوار مع السلطات. والحديث يدور في غضون ذلك لا عن قضايا فنية معينة، وإنما حول المبدأ. فمعارضو الأسد يطرحون شروطا غير مقبولة مسبقا. وهي، على سبل المثال، انسحاب الجيش إلى الثكنات في ظل الحفاظ على إمكانية التظاهر كالسابق. وهذا لا يؤدي إلا إلى شيء واحد: استيلاء المتظاهرين المسالمين على المباني الإدارية والحكومية في العاصمة والمدن الأخرى. ويجري بهذه الصورة إبعاد الجيش من اللعبة، ويبقى بمثابة أداة استقرار للمستقبل (بند آخر في برنامج المعارضة). ولدى الرغبة في الحوار فعلا (من الممكن اشتراط هذه المشاورات بحضور مراقبين من الأمم المتحدة أو الجامعة العربية) من المنطقي التحدث عن موراتوريوم مؤقت على التظاهر واستخدام الجيش. ولكن  لا يدور الحديث حتى عن هذا، لربما لان سيطرة ممثلي المعارضة، الذين يتعذر عليهم تشكيل هيئة مركزية موحدة، على لجان التنسيق المحلية ضعيف وغير كاف، بغية توجيهها بأكمل وجه.
ويجعل هذا السيناريو  أمرا مستحيلا محاولات القسم “العلماني” من المعارضة للحفاظ على “الطابع السلمي” للحركة، مما يضمن حياد الجيش مستقبلا. إن حرب الأنصار تخل بالوضع القائم بلا ريب، والجيش سيواصل ولاءه للنظام. وخاصة، مراعاة لوجود أشخاص في قيادته غير جاهزين ، خلافا لزملائهم المصريين، لتقديم تنازلات “للإخوان المسلمين”. ويؤكد هذا في الحقيقة، تعيين العماد آصف شوكت، صهر الأسد، في 13 سبتمبر/ايلول من السنة الجارية، نائبا لوزير الدفاع. ومن المفروض أن يقوم الأخير “بالدعم” وفي نفس الوقت، مراقبة وزير الدفاع الجديد المسيحي داود راجحة.
وتجدر الإشارة إلى أن شوكت ترأس على مدى فترة طويلة الاستخبارات العسكرية، وكان مسؤولا على العلاقات مع باريس. وجرت تنحيته  نتيجة اغتيال عماد مغنية، مسؤول العمليات الخاصة في حزب الله (لبنان)، في دمشق، الذي كانت لديه علاقات وثيقة مع شوكت في إطار الواجب. وتقرر الآن إعادته، لان الجيش يواجه حاليا مرحلة خطرة، لا يجوز ان يثير ولاء قيادته فيها للقيادة العليا إي شكوك لدى بشار الأسد وحاشيته.
المصدر:موقع معهد الشرق الأوسط في الانترنت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق