الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

حسن البنا فى قصرعابدين

يونية 2011
المصدر: الأهرام العربى


سقطت الأنظمة في مصر وتونس. وسقطت معها أجهزة المخابرات في مختلف أنحاء العالم. لأنها توقعت المقدمات ولم تتوقع النتائج، وبالرغم من أن ماحدث في القاهرة والعاصمة التونسية قد شهده القاصي والداني على الهواء مباشرة. فإن ما خفي في هذه الثورات. لا يزال يشكل الفشل الأضخم لكل أجهزة رصد وتحليل المعلومات في العالم، صحيح أن كاميرات التليفزيون نقلت صورة الملايين وهي تسقط الأنظمة. لكن أحدا لم ير وجه قادة هذه الملايين. والأخطر: أنه منذ نجاح الثورتين المصرية والتونسية في إقصاء بن علي ومبارك. لا يجد المحللون في العالم وجها مؤهلا لقيادة الجماهير في الديمقراطيات الناشئة. سوى أصحاب اللحى والجلابيب من الإسلاميين، لا لسبب سوى أنهم. منظمون!
نظريا: التنظيم قد يكون امتيازا وسط الفوضى، لكن هل الإسلاميون هم وحدهم القوى المنظمة في الشرق الأوسط ؟. وفي حالة مصر بالذات. هل يقود الإخوان المسلمين البلاد لمجرد أنهم منظمون؟. التحليل النهائي الذي توصلت إليه أفضل التحليلات الاستخباراتية منهجا هو أن مصر بين خيارين: إما الاستقرار الذي يأتي بالقوات المسلحة إلى الحكم لتطيح بالديمقراطية وتؤسس لحكم الحزب الواحد على غرار ما حدث من تنظيم الضباط الأحرار في ثورة يوليو 1952، وإما الديمقراطية التي تأتي بالإسلاميين المتطرفين المعادين للغرب وقيمه ومصالحه والجماعات المرتبطة به. فتطيح بالديمقراطية. أيضا!
عمليا: ترقية الاستنتاج لمرتبة المعلومة هو الفخ الذي تسقط فيه كل التحليلات وتسقط معه منظومات الاستخبارات في العالم، والاستنتاج السابق يقف من ورائه عقل يذعن سلفا لصورة مخادعة. لا يقف فيها سوى الشرير مقابل الطيب: الإسلاميون مقابل العلمانيين، العسكريون مقابل المدنيين « إسلاميين وعلمانيين»، ومن قبل ذلك ومن بعده. الأغلبية المسلمة بكل هوياتها السياسية. مقابل الأقباط مهما كانت هوياتهم السياسية. هذه الصورة المخادعة ثنائية الأبعاد. تفترض أن اللاعبين القدامى قد انتحروا. رجال البزنس والإعلام وأصحاب العصبيات العائلية والانتماءات القبلية. و الأخطر: أنها تفترض أن الأغلبية الصامتة «باقي 88 مليون مواطن» قد سكنت القبور للأبد. وأن ميدان التحرير هو الذي يدير الدولة في مصر. وأن من يدير الميدان؟ بالتالي؟ يدير الدولة الجديدة!
في تقرير لأنتوني شديد وديفيد كيركباتريك نشر في النيويورك تايمز 22 مايو الماضي، افترض المحللان أن الثورات الشعبية في مصر وتونس خلقت مفهوما للهوية الوطنية أساسه فكرة المواطنة، وأن ما شهدته إمبابة في مصر من حوادث طائفية بين المسلمين والأقباط وما شهدته تونس من انقسامات في صفوف السلفيين وما شهدته البحرين وسوريا من انقسامات بين الطوائف السنية والشيعية وما شهدته ليبيا من انشقاق بين أهل الشرق وأهل الغرب. كلها من شأنها أن تهدد فرص الانتفاضات الشعبية في حل التناقضات التي ترسخت في المجتمعات العربية منذ عهود الاستعمار الأوروبي. هذه التناقضات التي أحدثت - وفقا للمحللين - حالة من الفرز العرقي والإثني والثقافي والديني في المجتمعات العربية. وأن هذه التناقضات هي التي يمكن أن تقضي على هذه الثورات. بل ويمكن أن تفضي في غياب النموذج القيادي التقليدي الذي كان يمثله مبارك في مصر. إلى وقوع الحرب الأهلية وبالتالي تفكيك الديمقراطيات الجديدة الناشئة. إلى وحدات أصغر حجما وأكبر تطرفا. أميل لشن الحروب فيما بينها.
من جديد يبرز المحللان الفكرة ذاتها«الأمن والاستقرار بالقمع» مقابل «ديمقراطية صراع الهويات والإرادات» ويستشهدان في تونس مثلا بأهل السواحل العلمانيين المنفتحين عقليا. مقابل أهل الداخل المتدينين الأصوليين المتشددين. و في مصر يستشهد المحللان بشعار الاحتفال بالثورة: ارفع رأسك فوق. إنت مصري. هذا الشعار الذي تغنى به الجميع في ميدان التحرير، ما لبث أن أفرز أن الأقباط أقلية لاحول لها ولا قوة أمام المتشددين الإسلاميين الذين عززوا - من خلال الأحداث الطائفية - وجود هويات مختلفة لا صلة لها بمفهوم المواطنة. هويات تأسست على ركام من التناقضات بين المسلمين والأقباط عبر عصور طوال!
هنا يظهر عنصر لا يمكن للكاميرات تصويره. اسمه: الخوف، هذا العنصر الذي قاد الانتفاضات وبقي في الشوارع بعد كنسها هو الذي يمكن أن يدفع بالأكثر تنظيما للواجهة. و في حالة مصر يظل الإخوان المسلمين أكبر منتج للمخاوف والشكوك. وأهم تاجر في سوق التطمينات وسط الفوضى. في نفس الوقت!
- وجه جديد لمصر؟
قاهرة ما بعد الثورة لم تختلف كثيرا، نهارها مشحون بالفرجة على أبطال مسلسل «أهل كايرو» من المنافقين واللصوص المشاهير الذين تعروا في ساعة نحس، وليلها مشحون بالتآمر. على جمهور المشاهدين، المسلسل الدرامي كان يتمحور حول الهويات الزائفة، ويبدو أن حلقات أخرى في هذه الدراما قد كشفتها انتفاضة 25 يناير الماضي. فبرغم كل النشوة التي عمت البلاد بسقوط النظام السياسي. لم يتم إحلال نظام سياسي بديل عن نظام مبارك. لكن هل سيطر الخوف على الدولة المصرية؟
السير في ظل حظر التجول في ليل القاهرة. يشبه تماما السير تحت أعمدة الإنارة المضاءة نهارا في شوارعها. كلاهما يحدث من باب التدابير الاحترازية وكلاهما لا يلفت الانتباه، إلا إذا. تعلق الأمر بالإسلاميين، حينها يثور السؤال عن استباحتهم لأعمدة الإنارة المضاءة نهارا في لصق لافتات تقول «إذا احتكم إلينا أهل الكتاب حكمنا فيهم شرع الله» أو «الشعب يريد شرع الله» أو «الدين ما شرع. مع تحيات الجماعة السلفية»، والأمر نفسه يحدث ليلا، عندما يقوم الجنود المدججون بالسلاح بغلق شرايين العاصمة لينصبوا أسلاك خيام سيرك «حظر التجول». حيث الفقرة الوحيدة التي يتم تقديمها هي تفتيش حقائب السيارات والاطلاع على الهوية ورخصتي السير والتسيير. وهي لعبة مملة كان ضباط المباحث فيما مضى ينفقون فيها الساعات الطوال. بحثا عن أعجوبة ليلية. وكثيرا ما كانت شباكهم تعود لأوكارها قبل بزوغ الفجر. فالصيد وفير، والطيور ذات اللحى والجلابيب. على أشكالها كانت تقع!
اليوم تنطلق هذه الطيور ليلا ونهارا. دون أن تجد من يعترض طريقها. وحتى في ظل حظر التجول الليلي الذي يمتد لأربع ساعات يوميا. لا تواجه هذه الفئة من المواطنين المشكلات ذاتها التي كانت تواجههم حتى 25 يناير الماضي. صحيح أنه حتى ذلك التاريخ لم يكن هناك حظر تجول، ولكن كان هناك حظر لوجودهم السياسي، وكان 36 من قياداتهم في الجماعة «المحظورة» يقيمون في سجن وادي النطرون. وكان المئات منهم يشكلون قوام «الصيد» اليومي في الكمائن الليلية في ذات الشوارع التي تنتصب فيها نقاط التفتيش اليوم خلال حظر التجول، وفي 18 مايو الماضي كان الحزب الوطني الحاكم قد تحول رسميا إلى حركة محظورة وألد خصومهم يقيمون في سجن طرة. عندما صدرت بعض الصحف القومية وبها ملحق خاص من 8 صفحات تحمل أسماء الآلاف من أبرز هذه الطيور في 27 محافظة مصرية يعلنون تأسيس حزب الحرية والعدالة. وهو أول حزب معلن للإسلام السياسي في مصر منذ قيام جماعة الإخوان المسلمين منذ 83 سنة. هذه الجماعة التي حكم أفراد تنظيمها الدولي في تركيا وفي غزة وفي السودان، وشاركوا في حكومات الأردن والعراق، وقمعوا في سوريا عام، 1982 حيث سقط منهم الآلاف. دون أن يكون مقدرا لهم أبدا أن يظهروا إلى العلن في الحياة السياسية المصرية. من فوق الأرض التي أنبتتهم، ومن المثير أن شعار الحزب الإخواني الجديد قد استبدل السيفين «المتقاطعين» ومن فوقهما المصحف، بشعار جديد فيه ورقتا شجر «منفرجتين» تحملان في طرفيهما كفتي ميزان ومن فوقهما نجمة ثمانية الأضلاع. وبدلا من كلمة و«أعدوا». التي هي بداية آية الجهاد في القرآن. كتبوا «نحمل الخير لمصر»!
الجماعة التي كانت تستخدم شعار«الإسلام هو الحل» للدلالة على هوية وطنية لها قبل 25 يناير الماضي، اليوم تقوم بإغراق شوارع القاهرة والمحافظات بلافتات ملونة مكتوب عليها «اسمع منا بدلا من أن تسمع عنا». ويبدو أن محظوري الأمس يريدون أن يستعيدوا مكانهم كمواطنين. يتمتعون بحقهم في أن تكون لهم «هوية» علنية يخلطون فيها ما هو مدني بما هو ديني. يريدون أن يتصالحوا مع الديموغرافيا. لا التاريخ!
المشكلة الكبيرة مع الإسلاميين في مصر، وبالذات جماعة الإخوان المسلمين. إنهم يتوارثون ولا يزالون. كراهية ثورة يوليو 1952. وفي غياب شرعية يوليو وشرعية أكتوبر. لا عائق يقف بينهم وبين انطلاقهم بالسرعة التي يرغبونها، لا يحول بين امتلاكهم للطرق ليلا حظر التجول. ولا نهارا. تلك الأعمدة المضاءة في عز الظهر، ويبدو أن على العاصمة المصرية أن تستعد من الآن فصاعدا «لأهل كايرو» الجدد. وأن تتعلم أن تتحشم في حضرتهم. وبالنظر لاتجاه الريح في بحر الألاعيب السياسية في مصر هذه الأيام، ربما كانت القاهرة في حاجة ملحة لتدبير حجاب او نقاب. يخفي حسن شوارعها عن العيون ويحصن بناتها من زنا النظرات ويحفظ الصون والعفاف والآداب العامة لعاصمة تعج ميادينها بكل أعراض الانفلات التي تصاحب الموالد الشعبية، بداية من التهوس مرورا بالارتزاق بالمشاعر وصولا إلى الفجور. السياسي.
- المشهد الحسيني في التحرير
قاهرة ما بعد الثورة مازالت حتى وقت كتابة هذه السطور سافرة الوجه والكفين. يمتليء ليلها بالغرائب والغرباء، عالم السهر إلى جوار مسجد «الحسين» بمنطقة الدراسة التاريخية. انتقل بكامل بطانته التقليدية منذ رحيل حسني مبارك عن السلطة في 11 فبراير الماضي إلى جوار ميدان التحرير. هذا المقام الجديد الذي لا يعدم توافد آلاف المريدين. رغم عدم وجود ضريح به أو حتى وجود شيخ له كرامات، والمولد منصوب منذ 25 يناير الماضي والليلة الكبيرة لا تجد راعيا رسميا حتى هذه اللحظة. وإعلان المجلس العسكري يوم الأحد الماضي أنه غير طامع في السلطة وأنه لم ولن يقفز على السلطة ولن يسمح لأحد بالقفز عليها «دون موافقة الشعب». يزيد من تعقد المشهد الحسيني في ميدان التحرير، لأن مرور الزمن دون ظهور صاحب كرامات. يحول المريدين الجوالين إلى مقيمين. ويحول ميدان الإسماعيلية الذي أعطته ثورة يوليو اسمه الحالي «التحرير» إلى ساحة تهوس سياسي يتنازعه العلمانيون والسلفيون «لا غير» المشهد الحسيني عاش لمئات السنين دون أن يناقش أحد ما إذا كان تحت القبة أي شيخ. لكن المشهد في ميدان التحرير يتنافس فيه مريدون متعددون لمشايخ لا مرئيين على سطو القبة السماوية التي تظلله. وشعارات جمعة الغضب الثانية التي غاب عنها الإخوان المسلمين. كانت تمتليء بمجاذيب عيونهم حمراء من السهر يتساءلون عن موعد صلاة العشاء حيث تنتهي «ورديتهم». أغلبهم كانوا يمسكون لافتات موحدة «الدستور أولا» مكتوبة بخط واحد. عند خطاط واحد. والباقون يطالبون بسرعة إعدام مبارك وعائلته. وبالمرة: محاكمة الفريق بحري أحمد فاضل رئيس الهيئة التي تدير قناة السويس. هذه الشركة التي قال محمد حسنين هيكل إن حكومة جمال عبدالناصر أممتها. دون أن تؤمم القناة ذاتها، وهي نفس الشركة التي أسست جماعة الإخوان المسلمين بمبلغ 500 جنيه عام، 1928. استقرت في يد الإمام حسن البنا. أبرز المرشحين حاليا لحكم ميدان التحرير. من القبر!
على المقاهى المجاورة لميدان التحرير. وفي الشوارع والأزقة وصولا إلى باب اللوق. يتناثر الأجانب من ذوي البشرات واللكنات والألسن والبشرات غير المصرية. لا أحد يهيم في ليل القاهرة منذ 11 فبراير الماضي، وحتى اليوم سواهم، الأجانب والإسلاميون. و الفئة الأخيرة يمكن تبينهم في الحركة. بينما يميل الأجانب للسكون في المقاهي التي تظل ساهرة حتى تحين الثانية صباحا وقت بداية حظر التجول «الذي لم يحدث أثرا يذكر في القاهرة منذ اندلاع الأحداث في 25 يناير وحتى اليوم» أو تلك المقاهي التي تتعايش مع حظر التجول، وهم في وجودهم لجمع المعلومات لا يظهرون على أنهم من السائحين. هم في سواترهم التقليدية: أعضاء في منظمات إغاثية أو مستشارين لمنظمات المجتمع المدني أو نشطاء دوليين. وهم يرون المشهد المخادع من شوارع وسط القاهرة. ويرسلون مالديهم للمحللين في عواصم متعددة، وبالتالي تقع أجهزة المخابرات في ذات الفشل من جديد. إنه فخ الإدراك الزائف للواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي والديني في مصر. التي - وفقا لأفضل إدراكهم - تدار حاليا من ميدان التحرير!
في الميدان يوجد مسجد السيد عمر مكرم. العالم والفقيه الثوري المصري الذي سلم البلاد للجندي الألباني: محمد علي. باني مصر الحديثة، الذي لم يدرك في عمره كله الافكار الديمقراطية ولم يكن واردا في عصره فكرة المواطنة وحقوق الإنسان. لكن كان مجرد كونه عسكريا مسلما مؤهله الوحيد لتولي القيادة. وصيانته لفكرة الخلافة كانت وراء حفاظه على الخط الهمايوني الذي أصدره الخليفة العثماني لتنظيم العلاقة مع الأقباط. وهو الخط الذي لا يزال يهيمن على حياة الأقباط في مصر حتى اليوم. لقد أخطأ عمر مكرم وتم نفيه إلى دمياط. من قبل السلطة ذاتها التي دعمها وانقلبت عليه، تمثال عمر مكرم لا يزال يطل بقامته لليوم شاهدا على ميدان التحرير. لكن أحدا فيما يبدو لا يريد أن يعرف قصته. أو يعنى بشهادته!
- إسقاط الطغاة. خطر
على أرض مصر يرقد جثمان حسن البنا الذي تم اغتياله قبالة مبنى جمعية الشبان المسلمين. على مبعدة أمتار من ميدان التحرير. وعلى الأرض ذاتها يرقد شاه إيران رضا بهلوي الذي نجا من قبضة الخميني بالموت. لكن المؤكد أن الإمام حسن البنا من قبره سيحاكم حسني مبارك. ما لم تلحقه يد الموت الطبيعي سريعا. وفى أعقاب اندلاع انتفاضة الجماهير المصرية في 25 يناير. بشر المحلل السابق بوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية والباحث السياسي بمعهد بروكنجز «بروس رايدل» بالإخوان المسلمين في مقال نشره بصحيفة الديلي بيست عنوانه: لا تخافوا من الإخوان المسلمين. فقد نبذوا العنف. وبعد ذلك، وفي 31 يناير الماضي رد عليه المحلل أندرو مكارثي كبير الباحثين في معهد ناشونال ريفيو بتقرير عنوانه: بل خاف من الإخوان المسلمين. أشار فيه إلى حقيقة أن هذه الحركة كانت هي الملهم لكل الجماعات الجهادية، وأن فكر الجهاد المسلح وتنظيماته على اختلافها هو ثمرة فكر جماعة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر على يد الإمام حسن البنا!
وفي العدد الجديد«يونيه 2011» من مجلة أتلانتيك الأمريكية، نشر المحلل جيفري جولدبرج تقريرا خطيرا بعنوان: إسقاط الطغاة خطر!.
قال فيه: مع تساقط الديكتاتوريات في الشرق الأوسط. ما الذي يمكن أن يحدث إذا ما مكنت الثورات العربية التطرف الإسلامي من النمو؟. لقد سافرت لدول عديدة في الشرق الأوسط لأسأل: ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تقدمه من أجل خدمة الديمقراطية والاستقرار؟. والواقع أن الباحث لم يجد إجابة سوى أن المطلوب هو إعادة إنتاج طغاة يعملون بعض الوقت لا كل الوقت. طغاة يقيمون الاستقرار لمدد من 4 إلى 8 سنوات. لا مدى الحياة!
دهشة المحلل جولدبرج وجدت ما يطفيء جذوتها في تقرير استخباراتي نشر على موقع التحليلات الإستراتيجية الإسرائيلي الذي يقوده يوري شين المحلل السابق بالموساد «ويكيسترات» قال بالنص: لقد بنت الولايات المتحدة ولزمن طويل سياساتها تجاه الشرق الأوسط على قاعدة من العلاقات الثنائية ثلاثية الأضلاع، مع السعودية على خلفية اقتصادات الطاقة ومع إسرائيل على أساس صيانة أمن الأخيرة ومع مصر على خلفية صيانة الاستقرار الذي كان موضع مكافأة النظام السياسي بها دون النظر لأي اعتبارات أخرى. الآن مع التطورات التي تشهدها مصر، فإنها لن تكافأ، وربما اضطرت أمريكا لإعادة النظر في علاقاتها مع السعودية. مع التركيز في المستقبل على علاقتها الثنائية مع إسرائيل!
الأمريكي جورج فريدمان المحلل الإستراتيجي والضابط السابق بالمخابرات المركزية الأمريكية ومدير مركز ستراتفور للتحليلات الإستراتيجية يرى هنا أن الإخوان المسلمين قد يكونون في طريقهم للاستيلاء على السلطة والحكم في مصر، وأنهم في الطريق وإن كانوا يلتزمون الحذر، وفي 19 مايو الماضي - بعد الإعلان عن حزب الإخوان بأقل من 24 ساعة - كتب تقريرا قال فيه: لقد أضاعت جماعة الإخوان بعض الوقت في اقتناص ما ترى الجماعة أنها فرصة تاريخية لدخول المسار السياسي المصري، والواقع أن المجلس العسكري في مصر - الذي يدير ولا يحكم - لم يتدخل من أجل إعاقة طموحاتهم رغم ما هو معلوم من عدم تعاطف المؤسسة العسكرية المصرية مع جماعات الإسلام السياسي، إن عدم الاستقرار السياسي في مصر كان ولا يزال وراء معادلة التوازن التي يدعمها المجلس العسكري، فقيام حزب أو حزبين للإسلاميين السلفيين من شأنه أن يعيد التوازن للحياة السياسية، خاصة مع الإعلان عن قيام انتخابات برلمانية نزيهة. لكن رصد تحركات الإخوان وغيرهم من الحركات الإسلامية وحتى الجماعات المدنية الأخرى يؤكد - حسب فريدمان - أن ما حدث في مصر في يناير وفبراير لم يكن يكرس لثورة وليس تغيير نظام. وإنما حفظ مكان لنظام سياسي، تم من خلال انقلاب عسكري تم التخطيط له بعناية فائقة ومهارة. استغل 18 يوما من التظاهرات الشعبية ضد مبارك كستار دخان لتحقيق أهدافه. وأنه بقبوله للتعددية الحزبية بما في ذلك إظهار التسامح مع الإخوان المسلمين. يكرس للاستقرار السياسي والاجتماعي وللديمقراطية الجديدة!
من جديد، يبدو أن التاريخ قد يكون بطريقه لقيادة المستقبل في مصر. وقد يكون المرحوم الإمام حسن البنا في طريقه لقيادة مصر من قصر عابدين «القصر الرئاسي الرسمي لمصر» ويبدو أن سؤال الإخوان المسلمين سيظل مطروحا على المائدة. سواء تقدموا للاستيلاء على السلطة بمباركة غربية وبالتزام النموذج التركي وبالذات فيما يتصل بالعلاقة مع إسرائيل. أو سواء وجدوا ما يمكن أن يوقف مسيرتهم تلك. من باقي القوى المنظمة في الشارع المصري. سواء كانت علمانية أم غير علمانية. سواء كانت مدعومة غربيا أم محليا. بأموال البزنس العائلي.!
لكن هذه حكاية أخرى. تستوجب زيارة ثانية لخارطة القوى السياسية الأخرى. ما ظهر منها. وما بطن!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق