الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الجماهير الغاضبة تتحدى دولارات التفاهم: موش ح نسيبكم. ح نحاربكم

المصدر: الأهرام العربى


من فوق طوفان الغضب والاحتقان. سبعة أسئلة حامت في سماء القاهرة يوم جمعة التطهير. دون أن يرصدها أحد:
سؤال منطقي: برغم وعي الجماهير الثائرة في مصر بأنها عدوهم الإستراتيجي الأول، هل كان ينبغي أن يراق كل هذا الدم في غزة. حتى ينتبه الثوار المصريون إلى. إسرائيل؟
سؤال غريب: هل كانت كل مشكلة الثورة المصرية مع إسرائيل منصبة حول قضية تسعير تصدير الغاز لتل أبيب. بتراب الفلوس؟
سؤال وجيه: لسنوات طوال كان الشعار الذي يتردد في مظاهرات الغضب الشعبي في مصر هو: أول مطلب للجماهير. غلق سفارة وطرد سفير، والمقصود كان دائما قطع العلاقات مع الكيان الصهيوني. فلماذا لم يحرق علم إسرائيل من أول يوم في ميدان التحرير بوصفه (طقساً تقليدياً) في ثقافة التظاهر في مصر؟
سؤال يغيظ: لماذا لم يتم التنديد بإسرائيل في ميدان التحرير بعد رحيل حسني مبارك الذي اعتبره قادة تل أبيب أنه كان كنزا لهم، برغم أن ورود اسم إسرائيل - بوصفها المستفيد النهائي - كان القاسم المشترك الأعظم في كل قضايا الفساد التي تفجرت بعد الثورة. وبالذات فيما يخص ملفات تصدير الغاز المصري، وسرقة وتهريب الآثار، وتخريب الزراعة المصرية، وتجريف الأمن القومي المصري؟
السؤال الأهم: أنه أثناء الثورة ألقى أهالي السويس القبض على جاسوس إسرائيلي. ولم يعر أحد انتباها - حتى اليوم - عن أهداف هذا المتسلل. أو مصيره؟
والسؤال الأخطر: لماذا لم يحرق العلم الأمريكي بالتزامن مع - أو كرد فعل طبيعي على - حرق المصاحف في إحدى كنائس ولاية فلوريدا؟
دون لف أو دوران: لماذا لم نر ما تعودنا أن نراه في صورة الغضب الشعبي في مصر. لماذا تأخرت محاصرة السفارتين الإسرائيلية والأمريكية إلى 8 إبريل الماضي. أي إلى جمعة التطهير، على مبعدة 74 يوما. من اندلاع الثورة المصرية؟
هذه الأسئلة لم تكن غائبة عن أذهان كل من كان يراقب ويحلل ثورة 25 يناير من لحظاتها الأولى، سواء في القاهرة أم في عواصم العالم. فقد كانت إسرائيل ذاتها تكتم أنفاسها لحظة بلحظة ترقبا لما كانت تدرك - بحكم العادة - أنه سيحدث يقينا وفورا من إظهار الملايين المعتصمين بالميدان كراهيتهم لها علنا أمام الكاميرات التي نقلت للعالم بأسره ثورة مصر. وكانت أوروبا بأسرها في حالة ارتباك خوفا على أمن تل أبيب ومستقبلها في ظل قاهرة خالية من رموز الحزب الوطني. وكانت واشنطن مترددة في مواقفها الرسمية من النظام في مصر، إذ لم تخف وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون من أول لحظة ثقتها في استقرار ومنعه النظام السياسي في مصر بقيادة مبارك، الذي حافظ على كل التزامات السلام مع إسرائيل. رغم أن هذه الأخيرة. كانت تخرق كل التزام منذ انسحابها من طابا في 25 إبريل 1982 وحتى وقت كتابة هذه السطور!
وقبل محاصرة الجماهير لسفارة إسرائيل بيومين. في 6 إبريل الماضي، كانت جامعة الدول العربية تحتضن أول مؤتمر للحوار الإعلامي العربي الغربي بحضور السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة، والسيد جورج سامبايو الرئيس البرتغالي الأسبق والممثل الأعلى لتحالف الحضارات (مبادرة الأمم المتحدة لتحسين التفاهم والتعاون بين الثقافات)، وبرعاية إدارة حوار الحضارات في الجامعة ومشاركة المعهد السويسري بالإسكندرية ومؤسسة أناليند للحوار اليورمتوسطي برئاسة أندريه أزولاي مستشار ملك المغرب الذي قدمه الأمين العام للجامعة بافتخار. بكونه يهوديا، والدكتور مايكل فيتزجيرالد رئيس لجنة الحوار بالفاتيكان. وأهم رجالها في تاريخ التبشير في عموم إفريقيا. وكنت حاضرا. وكان الجو مشحونا بالكثير من (ادعاء) التسامح مع الآخر. فبينما كان المؤتمر يبشر بعهد جديد في العلاقات العربية - الغربية، كانت إسرائيل قد بدأت للتو إطلاق آلة العدوان الأخير على غزة. وكان الأمريكيون في ولاية فلوريدا قد فرغوا من إحراق المصحف منذ أيام، وتواطؤ المجتمع الدولي بأسره على محاسبة من غضبوا لازدراء دينهم الإسلامي. في باكستان!
تحسست في كلمات الحاضرين أن الغرب وممثليه - وحتى المشاركين العرب - قد وقعوا ضحية لاستطلاع الرأي الذي مولته الأمم المتحدة والذي صدر عن مؤسسة السلام الدولية قبل انعقاد المؤتمر بساعات. والذي أكد بما لا يدع مجالا للنقض والإبرام أن أكثر من 60 بالمائة من المصريين يفضلون السلام مع إسرائيل!
كان الحدث الرئيسي هو تقديم وإطلاق تقرير مؤسسة أناليند للعام 2010 عن اتجاهات التفاعل الثقافي بين شعوب حوض المتوسط، والذي رصد نتائج أول مسح استقصائي عن صورة الآخر لدى 13 ألف مواطن ينتمون لثلاث عشرة دولة تطل على المتوسط - بما فيها الدول العربية وإسرائيل - والذي ركز على دور الإعلام ومسئوليته المباشرة عن سلوك وقيم شعوب هذه الدول، وكذلك رؤية مؤسسة ميديا تينور للتحليل الإستراتيجي الإعلامي لعلاقات العرب مع الغرب خلال السنوات العشر المقبلة، والذي جاء في إحدى فقراته عنوان مثير: خبر سييء. لا توجد مشاعر مناهضة لأمريكا في العالم العربي في 2010!
وقتها كان خداع الذات يستبد بالجميع في ردهات مبنى الجامعة العربية الذي يجاور ميدان التحرير. فالذين شاركوا من قيادات الرأي العام ومشاهير الإعلاميين والصحفيين وممثلي المجتمع المدني من العالم العربي والإسلامي وأوروبا وأمريكا الشمالية يغضون الطرف عمدا ومع سبق الإصرار والترصد عن حقيقة أنهم عندما يتحدثون عن الغرب. يشيرون إلى اتجاه جغرافي على خارطة العالم، بينما العرب والعروبة هما حضارة وثقافة وليست اتجاها جغرافيا!. كان المهم هو تدشين العهد الجديد الذي بدأ - عندهم - على خلفية الحراك الشعبي في جميع أرجاء العالم العربي بعد انتصار الثورتين التونسية والمصرية. هذا العهد الذي (ينبغي) - بحسب ما انتهى إليه المؤتمر- أن تتغير فيه نظرة العرب للعالم الذي يقطن جهة الغرب، وكأن الذي يمارس التمييز العنصري ضد العرب والمسلمين. ويروج للخوف المرضي من الإسلام (الإسلاموفوبيا) في أوروبا. هم العرب أنفسهم. وإعلامهم!
و بعد أقل من 48 ساعة، كانت ملايين الدولارات التي مولت تقارير التفاهم والحوار، قد بعثرها المحتجون على مشارف مقر السفارة الأمريكية بحي جاردن سيتي الذي تحولت كل مداخله إلى ثكنة عسكرية منذ 27 يناير الماضي. مع بداية نزول دبابات االجيش لقلب العاصمة المصرية. وكانت كل أوهام رعاة مؤتمر الحوار بالجامعة العربية قد زالت تماما. أمام مدخل العمارة التي تعتليها السفارة. الإسرائيلية.
كنت ومعي الزميل مهدي مصطفى نعتلي أسوار كوبري الجامعة الشهير الذي يربط القاهرة بالجيزة، نرصد ونحلل شعارات آلاف المصريين الذين حاصروا عمارة السفارة حتى طوت تلك الأخيرة أعلامها كرها وإذعانا، وأطفأت أنوار الطابقين 19 و20، واحد من هذه الشعارات كان يخاطب الشعب المختار (يا يهود يا يهود. حسني مبارك مش ح يعود). وآخر أكثر وضوحا. رسالة عاجلة إلى إيهود باراك شخصيا، وزير دفاع إسرائيل (موش ح نسيبكم. ح نحاربكم) وثالث خرج من شباب نجح في دفع رئيس أكبر دولة عربية خارج السلطة. الشعار ذاته الذي ظل يطارد مبارك، وقد جاء من بعده دور السفير الإسرائيلي في القاهرة (موش ح نمشي. هو يمشي). ومن بين الآلاف المحتشدة كادت الرءوس تتلاشى تحت أعلام مصر وفلسطين. لكن من بين كل الأصوات الكارهة لإسرائيل. لم تكن هناك إجابة واحدة عن تأخر هذا الغضب لنحو 74 يوما من بداية الثورة، هذا التأخر الذي أغرى نيتانياهو رئيس وزرائهم في 7 إبريل للتصريح بأن الثورات العربية التي تندلع في المنطقة. قد تكون في صالح إسرائيل. وانفجر غضب شباب مصر في وجهه بعدها مباشرة. صحيح أن أغلب من حاصروا السفارة كانوا ينتمون للطبقات المتوسطة وما دونها. ومن فئات عمرية تتطابق مع وجوه ثوار 25 يناير في ميدان التحرير، وكان سقوط أكثر من 18 قتيلا في غارات إسرائيل على غزة سببا مباشرا في اندفاعهم للتجمهر أمام السفارتين الأمريكية والإسرائيلية. لكن هذا لم يفسر - حتى اليوم - لماذا تأخر الغضب ؟. لقد أجمع المحللون والمراقبون في أغلب عواصم العالم على أن الثورة المصرية تميزت عن كل ثورات العالم. بعفوية جماهيرها وخلوها من أي عقل مدبر يخطط لها أو يوجهها. وانتصرت دون أن تخلف من ورائها بؤر قوة ونفوذ أو حتى رموزا يلتف الشارع من ورائها بوصفها قادة النصر. فكيف تراجعت إسرائيل عن أولويات الثوار 74 يوما ؟. لقد بدأت شعارات تحرير فلسطين من دنس الصهيونية تتعالى في اليوم التالي لفرار الرئيس التونسي زين العابدين بن على. فهل كان مندوبو إسرائيل في النظام السياسي المصري المنهار من المهارة لاختزال عقود من النكبة والاحتلال والاختراق. في مجرد إشغال الجماهير بسعر تصدير الغاز المصري لإسرائيل؟. أم أن الثوار كانوا يرون أن الخطر الإستراتيجي الأول لم يكن في الاتجاه الشمالي الشرقي من الحدود المصرية. بقدر ما هو باتجاه ضاحية مصر الجديدة. حيث قصر العروبة؟. هل كان غياب مشاعر الكراهية ضد إسرائيل وراء انبهار واشنطن ولندن وباريس بشباب الثورة؟. لقد خطب نائبا الكونجرس الأمريكي الأكثر تعصبا لإسرائيل جون ماكين وجوزيف ليبرمان على أرض ميدان التحرير منبهرين بالثورة المصرية. فهل كانا ليفعلا ذلك لو أن مناهضة الصهيونية كانت من بين مفردات جدول أعمال إسقاط نظام مبارك؟ والأخطر في رصد الصور: لقد تعرض السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون لدى زيارته لمبنى جامعة الدول العربية للاعتداء من الثوار في ميدان التحريرعلى خلفية القرار الأممي 1973 الذي سمح لأمريكا وحلف شمال الأطلنطي بانتهاك حرمة الأراضي الليبية التي تقع إلى الغرب من مصر. لا باحتلالها، فلماذا لم يتعرض نائبا الكونجرس للوم، لا هما ولا هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية واشنطن التي زارت الميدان ذاته. على التزام أمريكا الأبدي بضمان أمن إسرائيل التي تحتل أرضا عربية. تقع في الشرق؟
الخبر السييء هذه المرة: أنه لا إجابة. على الأقل. حتى وقت كتابة هذه السطور!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق