الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

من يحاسب الثورة المصرية؟!

سبتمر 2011
3
 


لا تجد الثورة المصرية حتى اليوم من يقول لها: لا، وهذا هو أخطر ما يتهدد مصر اليوم. غياب المعارضة، وقضيتي هنا واضحة: فمن دون شفافية ومكاشفة ومحاسبة ونقد ذاتي، ومن دون احترام للرأي والرأي الآخر. لن يكون هناك أي أساس تقوم عليه ممارسة ديمقراطية سليمة في مصر مابعد الثورة. ومن دون احترام للرأي العام. لن يكون هناك تمثيل برلماني حقيقي. ومن دون ترتيب واقعي لأولويات العمل الوطني لن يكون هناك أي أفق لترسيخ العدالة الاجتماعية، ومن دون إعلام وطني شريف ومتوازن لن يكون هناك مجتمع مؤهل للحرية المسئولة. والأخطر: أن الثورة المصرية بطريقها لتكرار الخطأ التاريخي ذاته: سيطرة أهل الثقة على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة. لا أهل الكفاءة!
والحق أن كثيرا مما نراه على سطح الحياة السياسية في مصر اليوم - و بعد مضى ما يقرب من 7 أشهر على انهيار النظام السابق - يوجب علينا التوقف لتحليل ما نراه وما لا نراه. مثلا: نرى بالعين المجردة محاولات بعض الفصائل السياسية احتكار الثورة والفعل الثوري لنفسها والاستبداد بالرأي، وإسكات الأصوات المعارضة بدعوى أنه" لا صوت يعلو على صوت الثورة". وبالتالي التلويح باستخدام التخوين والتسفيه والترهيب في وجه معارضيها، هذا الفعل اسمه العلمي: الديكتاتورية. وأن تقوم الشاشات المملوكة لبعض رجال الأعمال باحتضان هذا المنطق بصرف النظرعن "الوزن النسبي" لهذه الفصائل في الشارع والانحياز المطلق لكل خطاب متطرف يصدر عنها. وفرض هذا المنطق على الجماهير هو استلاب لإرادة 80 مليون مصري كل فرد منهم هو صانع لهذه الثورة. يملك فيها حصته الكاملة في الحرية والكرامة وبالتالي القرار في حاضر مصر ومستقبلها. هذا الفعل اسمه العلمي: القهر!
ما لا نراه هنا عنصران، الأول هو استثمار صمت الأغلبية من قبل أقلية غير منتخبة واعتبار هذا السكوت" علامة الرضا" وهو الاستثمار ذاته الذي أغرى النظام السياسي السابق بتزوير إرادة الجماهير.
والثاني: هو ارتباط رأس المال الذي يقود هذه الفضائيات الخاصة بالمنظومة الثورية، وهذه الصلة لم تجد حتى اليوم من يفسرها في سياق العلاقة بين المال والسياسة. وهي العلاقة التي أفسدت النظام السياسي في مصر لعقود وتسببت في انهياره في النهاية. ومن الغريب أن نجد أن الديكتاتورية التي رحلت تركت من ورائها آلة القهر" المال السياسي والتضليل الإعلامي". كشرك خداعي سرعان ما التقطه بعض الثوار - كغنيمة - لإعادة إنتاج الفساد القديم ذاته. ما ينذر - بالضرورة - بأن تلقى الثورة المصرية نفس مصير النظام السابق. إن آجلا أم عاجلا!
ومما نراه أيضا: تتعاظم في كل يوم الضغوط الخارجية على الأمن القومي المصري. وتتزايد معها الضغوط الداخلية بنفس القدر ونفس الاتجاه، وقد آن الآوان لأن نتحدث وبصوت عال عن الصلة التي تجمع ما بين تزايد ضغوط الخارج على الجيش المصري وارتباط جماعات بعينها في الداخل بهذه الإرادة الخارجية. ولنتحدث بوضوح: أن ارتباط جماعات سياسية وفئات اجتماعية بالتمويل الأجنبي هو إعادة إنتاج لحالة الزنا التي كانت قائمة بين النظام السياسي والبيزنس. و هي الحالة التي فجرت ثورة 25 يناير في المقام الأول.
ما لا نراه هنا - أيضا- ثلاثة عناصر.
الأول : أن هناك تضليلاً واسعاً يضع القوات المسلحة موقع النظام السياسي ويضع الأقلية المشار إليها في موضع المعارضة" وهو تزييف للواقع يتم التركيز عليه هذه الأيام إعلاميا، بغرض الإيهام بوجود نظام حكم عسكري ينوب عن النظام السابق في الحكم وتأليب الرأي العام عليه، والثاني: أن الصلة ما بين المال الأجنبي والعمل الثوري السياسي باتت عضوية، وأن إصرار الخارج على تمويل منظمات وحركات أهلية والضغط على الدولة المصرية لقبول هذا الوضع هو تكريس لوجود إرادة الخارج في تشكيل الخارطة السياسية لمصر. والثالث: أن أهداف الثورة الحقيقية لم تعد العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. فكل هذه الأهداف تتطلب دولة موحدة قوية مستقلة ذات سيادة تقوم على رعايتها. الأهداف حاليا - بوجود إرادة الأجنبي - تتبدل وفقا لمصالح المال الأجنبي "الأمريكي بالأساس والأوروبي بالتبعية". و بالطبع يأتي في مقدمة هذه المصالح إنهاء أي ممانعة من قبل النواة الصلبة "الجيش المصري" تعيق تحقيق الأهداف الإستراتيجية للولايات المتحدة وأوروبا في الشرق الأوسط. وعلى رأسها ضمان أمن إسرائيل وضمان تدفق النفط العربي للغرب وإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط على أسس عقائدية أو مذهبية أو دينية. تعيد إنتاج النموذج الصهيوني الذي يجعل من الدين أو المذهب أو الاعتقاد أساسا للمواطنة!
والخلاصة هنا، أن الصورة المنظورة للمشهد السياسي - وغير المنظورة أيضا - تصب في اتجاه تكريس نفوذ مثلث: ديكتاتورية الأقلية والقهر الإعلامي وسطوة المال السياسي. و هو المثلث ذاته الذي انقلبت عليه الجماهير المصرية في 25 يناير الماضي. ما يعني أن كل ما جرى منذ 11 فبراير الماضي هو محض" إزاحة" استولت فيه أقلية سياسية تحتضنها انتهازية رجال الأعمال. على نفس المساحة ونفس الوظائف التي كان يشغلها النظام السابق الذي كان في حقيقته أقلية سياسية تلتف من حولها انتهازية رجال الأعمال. و هو ما يفسر بوضوح لماذا يستمر منهج النظام السابق في قيادة مصر برغم غياب رموزه ومحاكمتها علنيا، ومن المثير للدهشة، أن المنظومة الثورية الجديدة مارست الأساليب ذاتها في القهر، فقد اخترعت لنفسها فزاعات إعلامية كتلك التي كان يستخدمها النظام السابق. مساوية لها في القوة ومضادة لها في الاتجاه. مثل فزاعة الفلول والانتماء للحزب الوطني ومناصرة جهاز مباحث أمن الدولة. وهي تشبه فزاعات النظام السابق: فلول الإرهاب والانتماء للجماعة المحظورة ومناصرة الأجندات الأجنبية! لكن يظل الأكثر إثارة للاهتمام: هو ميل المنظومة الثورية الجديدة لاعتبار الإسلاميين خطراً على الدولة. وهو ذات الميل الذي برر للنظام السابق التنكيل بعشرات الآلاف من التيار الإسلامي واعتقالهم لمدد طويلة بموجب قانون الطوارئ. الذي لا يزال معمولا به. حتى الآن!
لم تظهر الثورة في مصر حتى الآن أية كرامات باتجاه الديمقراطية أو العدالة الاجتماعية. ولا حتى احترام حقوق الإنسان. فالتمييز بصوره المتعددة لا يزال سيد المشهد. والتلويح بالعنف باسم الثورة "السلمية" لا يزال رادعا لأي قدرة تريد النهوض بالبلاد. و معدل النمو لا يكاد يصل إلى الواحد الصحيح في المائة، رغم أن النظام السابق الفاسد. ترك البلاد بمعدل نمو يفوق 5.5 بالمائة. وتمضي البلاد دون سلطة تشريعية أو سلطة تنفيذية منتخبة أو احترام لسيادة القانون أو حتى رؤية لمستقبل مصر جديدة ديمقراطية تحترم الاختلاف والتنوع. ما ينذر بخواء إستراتيجي قد يفضي بالانهيار الشامل. و بالتبعية: فشل الثورة المصرية!
على مصر أن تتجه وبسرعة إلى توفير فرص العمل وزيادة الإنتاج، وعلى حكوماتها المقبلة أن تضع رفاهية المواطن المصري نصب عينيها. وأن تكون أعمال مكافحة الفقر على قمة أجندتها الوطنية درءا لمخاطر المال السياسي سواء الانتهازي المحلي أم الأجنبي. و إلا راحت مصر إلى الأبد كدولة حرة مستقلة موحدة وذات سيادة!.

المصدر: الأهرام العربى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق