الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

جريمة واشنطن فى ميدان التحرير

المصدر: الأهرام العربى


الحلقة الأولى
التاريخ يكتبه المنتصرون. فهل انتصرت الولايات المتحدة في ميدان التحرير حنى تحتكر واشنطن لنفسها كتابة تاريخ ثورة 25يناير المصرية؟. هل بلغ الفراغ الإستراتيجي في مصر الحد الذي سمح للصحافة الأمريكية ومراكز الأبحاث وجيوش المحللين الأمريكيين. بالانفراد بتأريخ وتوثيق هذه الثورة بوصفها إنجازاً أمريكياً خالصاً؟، ولماذا لم تجد ثورة 25يناير من يدافع عن مصريتها بمواجهة تزويرها إعلاميا؟. ولماذا امتنع المنتصرون الحقيقيون من المصريين الوطنيين عن كتابة تاريخ هذه الثورة منذ أن بدأت أضخم عملية تزوير أمريكية للتاريخ المصري المعاصر. بداية من 11 فبراير الماضي وحتى وقت كتابة هذه السطور؟
واحدة من أخطر مهام الصحافة في العالم. كتابة المسودة الأولى للتاريخ، وبرغم وعيهم التام بهذه الحقيقة تزعم الصحافة الأمريكية? ومن ورائها الإعلام الأوروبي المرتبط بسلاسل الاحتكارات الصحفية والتليفزيونية المملوكة لجماعات الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة? أن أموال دافعي الضرائب الأمريكيين قد مولت هذه الثورة بما يزيد على 4 مليارات دولار عبر سنوات من الجهد المنهجي المنظم في دعم، وتمويل منظمات المجتمع المدني لنشر قيم الديمقراطية الغربية في مصر. كما تزعم آلة الإعلام الأمريكي؟ وهي توثق بالشهادات وبالأسماء والتواريخ والأرقام؟ إن أموال وقدرات المخابرات المركزية الأمريكية كانت وراء تدريب قادة الثورة المصرية من الشباب على أعمال تغيير الأنظمة بالتظاهر والاحتجاج والتخريب ومواجهة القوات النظامية. إلى أن تحقق النصر. بإسقاط النظام السياسي المصري!
هذه المزاعم التي يوالى الإعلام الأمريكي نشرها ولا يزال هذا النشر مستمرا لليوم - تشكل وعي العالم بأسره من حولنا بكل ما يتعلق بتاريخ وحاضر ومستقبل الدولة المصرية، وتكرس (صورة) مزورة لدولة كبرى في المنظومة الإقليمية للشرق الأوسط. تحولت بفعل قدرة أموال الإمبراطورية الأمريكية على تجنيد قوات ناعمة من النشطاء المصريين. إلى مجرد كيان دولي اختار (الإذعان) إلى إرادة القطب الأوحد الأمريكي. تماما كما فعلوا ببعض دويلات الاتحاد السوفيتي السابق. وفي مقدمتها أوكرانيا وجورجيا ويوغوسلافيا التي تلاشت. وتحولت إلى صربيا وكرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا والجبل الأسود والبوسنة والهرسك. وهي النموذج الأقرب للمستقبل الذي يرسمه المزورون في واشنطن لمصر. الجديدة!!
المال. والبنون!
الجريمة الكبرى في حق التاريخ المصري بدأ أول فصولها في أعقاب إعلان تنازل الرئيس السابق حسني مبارك عن مهام منصبه للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية تحت ضغط إرادة الأغلبية الوطنية المصرية. إذ نشرت صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية في عددها الصادر في 13 فبراير 2011، مقالا للكاتبين ديفيد سانجر من واشنطن وديفيد كيركباتريك من القاهرة عنوانه: الصلة المصرية التونسية التي صعقت التاريخ العربي. وفي هذا المقال المطول الذي تضمن صورا تنتمي لتظاهرات الغضب في تونس ومصر. كان هناك ربط خطير بين أساليب الاحتجاج والثورة في كلا البلدين تشير بما لا يدع مجالا لأي شك. أن الثورة في تونس ومصر هي عمل منظم ولم يكن أي منهما عملا عفويا. والأخطر: أن خدمة نيويورك تايمز وزعت هذا المقال على شبكات الصحف التابعة لها في الولايات المتحدة وأوروبا تحت عنوان آخر هو: المصريون والتونسيون تعاونوا على زحزحة التاريخ العربي!
المحرران في مقالهما الذي نشر بوصفه رسالة من القاهرة. نقلا عن شاب مصري يدعى وليد راشد من حركة 6 إبريل التي وصفها بأنها الحركة التي اسهمت في تنظيم مظاهرات 25 يناير التي أفضت إلى (الانتفاضة!) قوله: إن تونس كانت هي القوة التي دفعت مصر، لكن ما فعلته مصر سيكون هو القوة التي تدفع العالم. وأضاف المحرران عن وليد راشد - الذي كان يتحدث أمامهما في اجتماع عقدته الحركة ليل الأحد، حيث يتبادل شباب الحركات في كل من ليبيا والجزائر والمغرب وإيران النقاش والخبرات؟ قوله: لو أن مجموعة صغيرة من الناس في كل بلد عربي خرجت وأنجزت ما أنجزناه فإن هذا قد يعني نهاية كل الأنظمة. وأضاف مازحا: أن القمة العربية المقبلة قد تتحول لحفل تعارف بين القادة العرب الشباب الصاعدين!
عند هذه الفقرة من التقرير الصحفي (الاستقصائي!) الذي كتبه اثنان من ألمع أقلام صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية. نكتشف أن حركة 6 إبريل تجتمع في القاهرة مع حركات مشابهة لها من ليبيا وإيران والمغرب والجزائر. وأن المحررين الأمريكيين حضرا هذا الاجتماع الذي سيعيد رسم خارطة الشرق الأوسط. وأن المذكور وليد راشد قد ألقى كلمة في هذا الاجتماع الذي عقد ليل الأحد (لاحظ أن المقال نشر في 13فبراير أي يوم الأحد التالي لتنحي مبارك. أقل من 48 ساعة يعني. وربما كان الكاتبان قد أرسلا الموضوع فور كتابته من القاهرة في ذات الوقت الذي عقد فيه الاجتماع الإقليمي للتنظيمات الشبابية العربية الإيرانية الساعية لقلب نظم الحكم في العالم العربي بأسره (ولا أعرف هنا ما دلالة وجود مندوبين عن إيران أو كيف دخلوا العاصمة المصرية ومن وجه الدعوة ومن نظم هذا الحدث؟ إن كان قد حدث). لكن، لا يتبغي التوقف عند اختلاق هذه القصة برغم خطورتها البالغة. لما تمثله من دلالة على اختراق فوري للمجتمع المصري. وما تمثله من دلالة على كونية ودولية التنظيم الذي يستهدف تغيير الأنظمة في العالم العربي. علاوة على دلالة وجود شباب إيراني في القاهرة جاء للتشاور والتنسيق مع القادة الجدد. للشرق الأوسط الكبير. الموسع. الجديد!
بعد ذلك، وكأن شيئا لم يكن، ينتقل الكاتبان إلى الإقرار بأن هذه الثورة المصرية (استغرقت سنوات في صناعتها. أحمد ماهر، مهندس مدني في الثلاثينيات من عمره وهو أحد القادة المنظمين لحركة شباب 6 إبريل. كان في البداية عضوا في حركة كفاية. لكن تقريبا في 2005 نظم السيد ماهر وغيره كتيبتهم الخاصة بهم. حركة شباب من أجل التغيير. لكنهم لم يتمكنوا من جذب عدد كاف من الأنصار وطالت أعمال الاعتقال كبار المنظمين في هذه الحركة، والباقي إما ظل مرتعدا لا يجرؤ على المشاركة وإما فضل الانخراط في العمل السياسي من خلال الأحزاب السياسية الشرعية. وهنا يقول ماهر الذي تم اعتقاله أربع مرات منذ هذا التاريخ: إن ما قوض هذه الحركة هو في الحقيقة الاحزاب القديمة). انتهت هذه الفقرة التي تشير بوضوح لدور الحركات والتنظيمات والمدى الزمني الذي استغرقه الإعداد لثورة 25 يناير، وهو ما لا يقل عن 6 سنوات وفقا لحسابات النيويورك تايمز التي بدأت التأريخ لجهود إطلاق الثورة بالتأريخ لقيام حركة 6 إبريل ذاتها. ونلاحظ هنا أيضا أن حركة كفاية تعتبر وعاء حاضناً بينما الأحزاب المعارضة المصرية (القديمة) هي وعاء طارد. وأن كليهما (كفاية والأحزاب القديمة) لا صلة له بالعمل الميداني الذي ارتبط بحركة 6 إبريل لا غيرها!
يذهب المحرران بعدها، للقول بالحرف: بحلول 2008 خلا بعض من المنظمين الشبان إلى لوحات مفاتيح أجهزة حواسبهم ليتحولوا إلى مدونين في محاولة لحشد التأييد لموجة من الاضرابات العمالية المنعزلة كات مبعثها أعمال الخصخصة التي تقوم بها الحكومة المصرية وارتفاع معدلات التضخم، وبعد الإضراب الذي وقع في (مارس!) في مدينة المحلة. دعا السيد ماهر وأصدقاؤه إلى إضراب عام في كل أنحاء البلاد في 6 إبريل، ومن أجل الترويج لهذا الاضراب العام أنشأوا مجموعة على الفيس بوك أصبحت منطلقا لهذه الحركة التي فقرروا أن تكون حركة مستقلة عن أي جماعة سياسية منظمة، ولقد حال الطقس الجوي السييء دون هذا الإضراب ودون حدوث أي وقائع في أي مكان. لكن في المحلة قادت تظاهرة قامت بها عائلات العمال إلى رد فعل بوليسي قمعي. اعتبر في حينه أول وأضخم مواجهة عمالية منذ سنوات. وبعد ذلك بأشهر قليلة، وفي أعقاب إضراب في تونس. قامت جماعة من المنظمين التونسيين على الإنترنت باتباع المنهج ذاته. حيث أنشأوا ما اعتبر بعد ذلك حركة الشباب التقدمي التونسي. (لقد تبادل المنظمين في كلا البلدين الخبرات عبر الفيس بوك!) ولقد واجه التونسيون دولة بوليسية أشد قمعا مما يواجهه المصريون، بحرية صحافة أقل مما لدى المصريين وبقدر أقل من التدوين، لكن اتحاداتهم العمالية كانت أكثر قوة واستقلالا. ويتذكر السيد أحمد ماهر بقوله: لقد اقتسمنا معهم الخبرة في الإضراب والتدوين. ومن جانبهم. فقد بدأ ماهر وزملاؤه القراءة بشأن الكفاح السلمي وقد ركزوا على صفة الخصوص على حركة شبابية صربية تدعى (اوتبور) كانت هي التي أسهمت في إسقاط الديكتاتور سلوبودان ميلوسوفيتش. وذلك من خلال الارتكاز على أفكار المفكر السياسي الأمريكي (جين شارب). لقد كانت كل أعمال السيد شارب تبدو وكأنها مفصلة قياس مبارك رئيس مصر. فهذا المفكر يؤكد على أن اللاعنف هو الطريق الوحيد الفعال لتقويض (الدول) البوليسية. التي قد تستخدم مكافحة العنف كمبرر للقمع باسم الاستقرار. لقد قامت حركة شباب 6 إبريل بتصميم شعارهم ــ وهو شعار يبدو سوفيتي المظهر يستخدم اللونين الأحمر والأبيض على قبضة يد - على غرار شعار حركة أوتبور. كما سافر عدد من أعضاء الحركة إلى صربيا للالتقاء ببعض نشطاء أوتبور الصربية.
نقطة ومن أول السطر
عند هذه الفقرة ولاحظوا التاريخ 13 فبراير. بدأ الأمريكيون في إبراز الصلة ما بين جين شارب والجماعة الصربية وحركة 6 إبريل المصرية. والتي بدورها كانت الملهم والقائد للثورة التونسية. بقيادة المهندس أحمد ماهر.
جين شارب البالغ من العمر 83 سنة هو وأحد من أبرز عملاء المخابرات المركزية الأمريكية، كما تقر بذلك موسوعة ويكيبيديا الإلكترونية. ولد في 21 يناير 1928، تلقى تعليمه في جامعة أوهايو حيث مسقط رأسه وعمل لفترات متفطعة كأستاذ للعلوم السياسية بجامعة هارفارد وماساشوستس قبل أن يصبح كبير الباحثين (حاليا) في معهد إلبرت إينشتاين الذي قام بنفسه بتأسيسه عام 1983، لدعم حركات تغيير الأنظمة في العالم من خلال ما يسمى بإستراتيجيات التغيير السلمي. هذا المعهد وثيق الصلة بالمخابرات المركزية الأمريكية ويتلقى تمويلات من مؤسسات الملياردير اليهودي الصهيوني جورج سوروس وأيضا من الوقف الديمقراطي (ناشونال انداومنت). وفي 21 فبراير2011، قدمته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي على أنه الرجل الذي يرجع إليه الفضل في إسقاط الرئيس المصري حسني مبارك. شارب هو صاحب أشهر كتاب في (العصيان المدني) من 3 أجزاء. ألفه عام 1968، حيث اعتقلته السلطات الأمريكية لتسعة أشهر عندما تظاهر ضد تجنيد الأمريكيين للانخراط في الحرب. نال وسام شجاعة الضمير من مؤسسة السلام في شريبورن في 4 إبريل عام 2008. منهجه في تغيير الأنظمة ضمنها في كتابه الأشهر (من الديكتاتورية إلى الديمقراطية) كانت وراء الثورات الملونة في أوروبا الشرقية، واستخدمتها حركة أوتبور في صربيا وحركة كمارا في جورجيا وحركة بورا في أوكرانيا وحركة كيلكل في قرغيزستان وكانت أساسا لجميع أعمال العصيان المدني في لاتفيا وليتوانيا واستونيا وأخيرا. حركة 6 إبريل في مصر. وفقا لموسوعة ويكيبيديا الأمريكية!
إن الربط ما بين الأسس الفكرية للمفكر الأمريكي جين شارب وبين الثورات الملونة وبين الثورة المصرية هو حجر الزاوية في جريمة تزوير التاريخ المعاصر لمصر. فالمؤكد أن هذه الثورة لم يكن لها قائد. وقد اعترف أغلب المحللين في العالم أن ما يميز الثورة المصرية في 25 يناير 2011، أنها قامت دون قيادة. وأنه لم يكن هناك فصيل سياسي بعينه يعمل على تنظيم حركة الجماهير أو قيادتها. كما اعترف ليون بانيتا (وزير الدفاع الأمريكي الحالي ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وقت قيام الثورة المصرية) في حديث لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية بأن أكبر مشكلة تواجه ضباط الوكالة في محطة القاهرة، هو اكتشاف قيادة هذه الثورة أو حتى تحديد مراكز القوى التي يمكن أن تقود الجماهير المصرية بعد هذه الثورة. وبرغم ذلك مضى المزورون لكشف بعد جديد.
أكاديمية قطر والبرادعي!
يمضى المحرران في النيويورك تايمز في المقال الذي يعد واحدا من أخطر العمليات النفسية ضد الشعب المصري في القرن الحادي عشر للقول: عنصر آخر مؤثر، مجموعة من المصريين المغتربين في الثلاثينيات من أعمارهم أقاموا منظمة في قطر تدعى (أكاديمية التغيير) نقوم بترويج الأفكار المستقاة جزئيا من أعمال جين شارب. واحد من منظمي هذه المجموعة اسمه هشام مرسي تم القبض عليه خلال الاحتجاجات في القاهرة ولا يزال رهن الاعتقال. ويقول باسم فتحي وهو أحد المنظمين والعضو بحركة 6 إبريل ومدير المشروعات بالمعهد الديمقراطي المصري الذي يتلقى منحا وتمويلات من الولايات المتحدة ويركز على حقوق الإنسان ومراقبة الانتخابات: إن أكاديمية التغيير هي لنا مثل كارل ماركس ونحن لها مثل لينين. ويضيف باسم فتحي أنه خلال الاحتجاجات التي قامت في ميدان التحرير استخدم علاقاته لجمع حوالي 5100 دولار من رجال أعمال مصريين لشراء البطاطين والخيام!
ويمضي التقرير للقول: قبل عام مضى، تمكنت الحركة الشبابية الصاعدة من ضم حليف إستراتيجي يدعى وائل غنيم، وهو أحد المسوقين التنفيذيين لشركة جوجل الأمريكية ويبلغ من العمر 31 عاما، وكغيره تم تقديمه للشبكة غير الرسمية للمنظمين الشبان للحركة التي تجمعت من حول محمد البرادعي الدبلوماسي المصري الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي عاد لمصر من عام مضى ليحاول أن يعيد الحياة للمعارضة السياسية في مصر.
السيد غنيم لم يكن لديه إلا القليل من الخبرة السياسية ولكنه كان يشارك الجميع كراهية الشرطة المصرية القمعية وهي الأساس في قوة ونفوذ الحكومة المصرية ولقد عرض على المنظمين الشبان في حركة 6 إبريل خبرته في البيزنس، وبحسب ما قال لنا: لقد عملت في التسويق وأنا أعرف أنك إذا ما ابتكرت علامة تجارية فكيف يمكنك أن تحظى بثقة الناس في هذه العلامة التجارية.
النتيجة كانت في المجموعة التي أقامها غنيم على الفيس بوك (كلنا خالد سعيد) بعد أن لقى الشاب المصري صاحب الاسم مصرعه ضربا على يد الشرطة المصرية. السيد وائل غنيم غير المعروف للعامة كان يعمل بشكل مقرب للغاية مع السيد ماهر قائد حركة شباب 6 إبريل، وكان يعمل بالتنسيق وبالاتصال بمجموعة الدكتور محمد البرادعي وقد قال لنا إنه استخدم مصرع خالد سعيد لتعليم المصريين كل شيء عن الحركات الديمقراطية. ولقد ملأ موقع خالد سعيد بالعديد من مقاطع الفيديو ومقالات الصحف بشأن عنف الشرطة المصرية، وكان دائما ما يعلق عليها (هذه بلادكم. والمسئول الحكومي هو موظف يتقاضى راتبه من أموال الضرائب التي تدفعونها. وقد اتخذ لنفسه هدفا هو تشويه الإعلام الرسمي وهنا يقول: أهدر الثقة في الإعلام وستعرف أنك لن تفقدهم!
بالمصادفة تمكن غنيم من جذب انتباه مئات الآلاف من مستخدمي الإنترنت وهكذا تمكن من بناء تحالفهم من خلال تعريفهم بخصائص المشاركة الديمقراطية على الإنترنت. وعندما قام الشباب بتنظيم (يوم الصمت!) في شوارع القاهرة على سبيل المثال. قام باستقصاء آراء المستخدمين لصفحته بشأن لون القمصان التي يتوجب عليهم ارتداؤها. سوداء أم بيضاء (عندما اندلعت الثورة اعتقلته حكومة مبارك لمدة 12 يوما معصوب العينين في زنزانة انفرادية في محاولة متأخرة لإيقاف أعماله). لكن بعد نجاح الثورة التونسية في 14 يناير رأت حركة شباب 6 إبريل أن هناك فرصة في تحويل يوم عيد الشرطة (25 يناير ذكرى مقاومة الشرطة المصرية للاستعمار البريطاني) إلى حدث أكثر ضخامة. وهكذا استخدم وائل غنيم موقعه على الفيس بوك لحشد الدعم، بحيث إذا ما تمكن نحو 50 ألف مواطن من تحويل المناسبة إلى نقيضها فإن الاحتجاج من الممكن أن يأتي بأثره. وقد أبدى 100 ألف موافقتهم على الانضمام لهذا الحدث!. وهنا يقول غنيم: لم أر أبدا ثورة يتم الإعلان المسبق عنها. قبل ذلك!
وتمضي الرواية الأمريكية لتاريخ ثورة يناير للقول: ومن وقتها وحركة 6 إبريل تعمل بالتناغم مع مؤيدي الدكتور البرادعي، وهم بعض الليبراليين وبعض الأحزاب اليسارية وجناح شباب حركة الإخوان المسلمين. وعندما بدأت الجماهير في التدفق إلى ميدان التحرير. وطغى شعار الشعب يريد إسقاط النظام. كان واضحا أن هذه الجماهير تعتمد النصح والإرشاد من تونس وصربيا وأكاديمية التغيير في قطر التي أرسلت عددا من أعضائها إلى القاهرة قبل أسبوع من اندلاع المظاهرات لتدريب منظمي الاحتجاجات(!) وبعد أن استخدم البوليس الغاز المسيل للدموع لفض التظاهرات في ذلك الثلاثاء، عاد المنظمون وهم جاهزون لمسيرتهم الثانية يوم 28 يناير (جمعة الغضب). هذه المرة أحضروا معهم الليمون والبصل والخل للعلاج من أثر الغاز، واستخدموا الصودا واللبن لمعالجة العيون واتخذوا احتياطات أكبر للتعامل مع الطلقات المطاطية واستخدموا الإسبراي في وجه زجاج سيارات الشرطة وتمكنوا من إحراق وتعطيل عدد كبير من هذه المعدات من خلال وضع زجاجات حارقة في ماسورة العادم ورش الصابون على عجلات القيادة لتخرج سيارات الشرطة عن السيطرة. وهنا يقول السيد أحمد ماهر: لقد استخدمنا كل الحيل في هذه المباراة. زجاجات البيبسي كولا(!) والبصل والخل. ولبسنا خوذات قائدي الدراجات البخارية وارتدينا ما يقينا من الرصاص المطاطي تحت السترات. ولقد تمكنا من حرق مبنى الحزب الحاكم في طريقنا لاحتلال ميدان التحرير!
واشنطن. والتدخل الغربي
وتمضي الرواية الأولية الأمريكية لإظهار عنصر حاسم في القصة المزورة من باب الحبكة عندما تصف لنا الأجواء في واشنطن. إذ يقول التقرير: انقلب يوم الرئيس أوباما. وفي الساعة الثالثة والنصف عصرا اجتمع في غرفة تقدير الموقف مع كبار معاونيه من فريق الأمن القومي. حيث اتخذ مقعد توماس دونيلون مستشار الأمن القومي على رأس الطاولة بدلا منه. وكان البيت الأبيض قد بدأ يناقش نظرية الدومينو (التأثر بالتداعي) منذ أن قاد الشباب في تونس عملية الإطاحة بالرئيس زين العابدين بن علي. حتى إن مجتمع المخابرات الأمريكية والأجهزة الاستخباراتية الإسرائيلية، قد قدرت أن المخاطر على نظام الرئيس المصري مبارك أقل من 20 بالمائة. لكن وفقا لمسئولين كبار شاركوا في تقدير الموقف السياسي مع الرئيس أوباما فإن الرئيس الأمريكي اتخذ موقفا مغايرا. فقد حدد الهدف مبكرا بقوله: إن ما يحدث هو اتجاه عام وقد ينتشر إلى غيره من الحكومات الشمولية في المنطقة بما في ذلك إيران. ولكن بنهاية الانتفاضة المصرية التي استمرت نحو 18 يوما . كانت الإدارة الأمريكية قد عقدت 38 اجتماعا حضره الرئيس أوباما بشأن مصر. وقد قال خلالها الرئيس أوباما إن هناك فرصة لخلق بديل للقاعدة يسمح بالتدخل الغربي(!)
المسئولون الأمريكيون لم يروا أن هناك دليلاً على وجود مظاهرات مناهضة لأمريكا أو للغرب ووفقا لأحدهم قال: عندما رأينا الناس يأتون بأطفالهم لميدان التحرير انتظارا لمشاهدى التاريخ، وهو يصنع على أعينهم عرفنا أن هذا أمر مختلف. وفي 28 يناير انقلب النقاش بالبيت الأبيض إلى: كيف يمكن ممارسة الضغط على مبارك سرا وعلانية؟ وما إذا كان الرئيس أوباما يتوجب عليه أن يظهر على التليفزيون ليحث المصريين على التغيير، ولقد قرر الرئيس أوباما في 28 يناير الاتصال بمبارك وقد استمع للمكالمة عدد كبير من مساعدي الرئيس الأمريكي. والحق أن أوباما لم ينصح الرئيس المصري البالغ من العمر 83 عاما بالتنحي أو تسليم السلطة لغيره، وإنما كانت الفكرة المحورية هي أنه - مبارك - في احتياج حقيقي للقيام بإصلاحات وأن يقوم بها على وجه السرعة وبحسب مسئول أمريكي رفيع المستوى فقد قاوم مبارك الفكرة قائلا: إن المحتجين يعكسون تأثيرا أجنبيا. ووفقا للمسئول ذاته فإن الرئيس أوباما قال لمبارك: لديك جزء كبير من شعبك لا يشعر بالرضا ولن يرضوا حتى تقوم بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية حقيقية.
وفي اليوم التالي كان القرار قد اتخذ بإيفاد السفير السابق فراك ويزنر للقاهرة كمبعوث خاص، كما بدأ الرئيس أوباما بعمل اتصالات مكثفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو ورجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي وغيرهم من (قادة المنطقة!). لكن المكالمات الأصعب والأعقد. كانت تلك التي قام بها الرئيس أوباما مع العاهل السعودي الملك عبدالله!
فما الذي دار في هذه المكالمات وفقا للصحافة الأمريكية التي تريد أن تقول للشعب المصري إن ثورته كانت بفضل أموال دافعي الضرائب الأمريكان؟. وأن رحيل مبارك لم يكن بإرادة هذا الشعب إنما بجهود المخابرات الأمريكية ورجالها. وبفضل الإدارة الأمريكية التي رأت في نجاح هذه الثورة نموذجا يتوجب تدريسه في المدارس الأمريكية. كنموذج لأهم إنجازات الإمبراطورية في الشرق الأوسط!
لكن الأهم من كل هذا. لماذا تتجرأ واشنطن على نشر كل هذه الأكاذيب عن ثورة شعب كنت شاهد عيان عليها في ميدان التحرير وغيره من الأحياء في القاهرة وفي الإسكندرية والسويس. هل صحيح أن الفراغ الإستراتيجي في الدولة المصرية منذ 25 يناير الماضي أغرى العابرين الغرباء في كل الطرقات على خارطة العالم برسم ملامح تاريخ ومستقبل الدولة الجديدة. بل والضغط لتحقيق إرادتهم، وما دام لا أحد يوثق لهذه الثورة. فلماذا لا يكتبون هم تاريخها. هل صحيح أن واشنطن تأكدت من أنه لا أحد في القاهرة يعرف؟. وإن من عرف هو إما خائف وإما طامع. وإن جرؤ على الكلام، فسيقطع المتطرفون لسانه، هل هذا هو دورهم. وهل من أجل ذلك دفعوا الأموال؟!
عندما تقلع السماوات من فوق ميدان التحرير، وتبتلع الأرض المصرية ماء طوفان غضبها الذي بدأ في 25 يناير الماضي ولم يتوقف حتى وقت كتابة هذه السطور، وعندما تبدأ سفينة نوح في الاستقرار على ضفاف نيل ما تبقى من الدولة المصرية. سنعرف القصة الحقيقية لما جرى، وسيعكف المؤرخون على توثيق هذه الحقبة الخطيرة من تاريخ مصر. ليتوارث أحفادنا من بعدنا تلك الحكاية، إما بوصفها مجداً لمصر. وإما بوصفها عاراً على المصريين!
وإلى الحلقة القادمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق