الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

ثورة Google. وفشل المخابرات!

 

التاريخ يكتبه المنتصرون. فهل انتصرت الولايات المتحدة في ميدان التحرير حنى تحتكر واشنطن لنفسها كتابة تاريخ ثورة 25 يناير المصرية؟. هل بلغ الفراغ الإستراتيجي في مصر الحد الذي سمح للصحافة الأمريكية ومراكز الأبحاث وجيوش المحللين الأمريكيين. بالانفراد بتأريخ وتوثيق هذه الثورة بوصفها إنجازاً أمريكياً خالصاً؟
ولماذا لم تجد ثورة 25 يناير من يدافع عن مصريتها بمواجهة تزويرها إعلاميا؟. ولماذا امتنع المنتصرون الحقيقيون من المصريين الوطنيين عن كتابة تاريخ هذه الثورة. منذ أن بدأت أضخم عملية تزوير أمريكية للتاريخ المصري المعاصر. بداية من 11 فبراير الماضي وحتى وقت كتابة هذه السطور؟
الوهم الكبير الذى باعته واشنطن للمصريين وللعالم. إن ما حدث فى 25 يناير كان انتفاضة شعبية تطالب بالديمقراطية اللليبرالية. لا بالعدالة الاجتماعية، وإن نظام مبارك القمعى كان يجلس على بركان من الغضب الليبرالى، وإن الدعم الغربى للثورة المصرية من شأنه أن ينشر الديمقراطية فى العالم العربى. تماما كما كانت مزاعمهم بعد غزوهم العراق!
الوهم الأكبر: إن مصر هى الاتحاد السوفيتى فى الشرق الأوسط، وإن سقوط نظام تونس كان بمثابة سقوط المجر وأن ما حدث فى ميدان التحرير بالقاهرة كان لحظة انهيار جدار برلين، وبالتالى تنطلق آلة تزييف الوعى الأمريكية فى تقديرها لتاريخ ماحدث فى الثورة المصرية على أن نظام مبارك لم يكن يحظى بأية شعبية فى مصر (ولا حتى بين المنتفعين والانتهازيين!) وأن المعارضة فى مصر كانت تحظى بالأغلبية الساحقة، وأنها كانت تمثل بشكل مطلق إرادة الجماهير، وأنه ما إن تنطلق التظاهرات فإن أحداً فى العالم لن يتمكن من إيقافها!
هذه الأوهام التى سيطرت على أذهان مزورى تاريخ مصر، فضحها تحليل استخباراتى صادر عن مركز (ستراتفور) وثيق الصلة بالمخابرات المركزية الأمريكية كتبه جورج فريدمان فى 15 أغسطس الماضى بعنوان: إعادة النظر فى الربيع العربي، وكان الحافز من وراء كتابة هذا التقرير إن ما يسمى بالربيع العربى لم يأت بالثمار الغربية المرجوة ـ أو التطورات التى كان متوقعا حدوثها ـ بعد مضى أكثر من 7 أشهر على اندلاع الغضب فى تونس ومصر. وهذه هى أول شهادة أمريكية على وجود التضليل والخداع فى الإعلام الغربى بشأن توثيق ماحدث فى مصر وتونس، وبالتالى وقوع مخابرات الغرب فى شرك (المفهوم) الخاطئ الذى قامت على ترويجه آلة التزوير الإعلامى الأمريكية وهو ما يمكن أن يفضى بدوره إلى أن تنزلق الحكومات الغربية وفى مقدمتها حكومة واشنطن إلى إساءة تقدير الموقف السياسى فى التعامل مع النظم الثورية الجديدة فى القاهرة وتونس. بفعل التقديرات الاستخباراتية الخاطئة. وهذا ما يسمى: فشل المخابرات. وهو كارثة بأى معيار.
والخلاصة: إن آلة التزوير ارتدت على أصحابها. وأصابت أجهزة المخابرات العالمية بالعمى فيما يتصل بماحدث فى مصر، وبالتالى فقدت واشنطن بوصلة الاتجاه فى التعامل مع مصر ما بعد الثورة. والأمثلة أكثر من أن تحصى. وليس أقل تداعياتها أن محطة المخابرات المركزية الأمريكية بالسفارة الأمريكية فى القاهرة ـ على مبعدة أمتار من ميدان التحرير ـ مازالت حتى وقت كتابة هذه السطور عاجزة عن رسم خارطة دقيقة للقوى السياسية ومراكز القوى المحتملة التى يمكن أن تقود الجماهير المصرية فى العهد الجديد، وهو ما كشف عنه ليون بانيتا مدير وكالة المخابرات المركزية السابق لصحيفة الواشنطن بوست قبيل رحيله عن منصبه ليتولى منصب وزير الدفاع!
- حذروا التمويل الأجنبى!
كيف وقعت المخابرات الأمريكية فى الفخ؟. هناك مثال واضح على الخداع والتضليل سنجده فى سياق التقرير الذى قدمه الدكتور روبرت ساتلوف المدير التنفيذى لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى للجنة الفرعية لشئون الإرهاب والاستخبارات البشرية والتحليل ومكافحة التجسس التابعة للجنة الدائمة للمخابرات بمجلس النواب الأمريكى فى 13 إبريل الماضى بعنوان: «الإخوان المسلمون والتيار الإسلامى وآفاق مصر ما بعد مبارك: تقييم مبدئى». قال فيه بالنص: إن التحدى الذى يواجه الولايات المتحدة هو فى مساعدة مصر برغم حقبة عدم اليقين العميقة ، بتقديم ما يمكننا من مساعدة ومشورة وشراكة (لدعم أولئك) فى مصر الذين يأملون فى اتخاذ مسعى (ليبرالى ديمقراطي) فعال مسئول وسلمى للتغيير السياسى وعزل مصالحنا الإقليمية الأوسع عن الآثار السلبية المحتملة للسيناريوهات السيئة والأكثر سوءا.
لقد بات واقعا فى سياسات مصر ما بعد مبارك إن (النشطاء الليبراليين) كانوا مسئولين عن «إقلاع» الثورة لكن، وإلى حد بعيد، كان الإسلاميون والجيش يحددون موضع الهبوط. وهو ما يعنى أن شرارة النشاط الثورى جاءت بشكل كبير من قبل شباب علمانى الذين قاموا بشكل عبقرى بتنظيم المظاهرات الجماهيرية الضخمة التى بدورها أخذت النظام، كما أخذتهم، بالدهشة. وفى يوم عيد الشرطة 25 يناير. كان الإسلاميون أكثر بطئا فى إظهار غضبهم، ومع ذلك وبفعل استشعار الفرصة انجر الإسلاميون للحشود وخلال الأيام العشرة التالية عندما اختبر النظام خيار استخدام القوة العسكرية الحقيقية لتطويق التظاهرات، جاء المتظاهرون الأكثر فعالية والأفضل تنظيما من مصدرين: الأول هم الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من الإسلاميين، والثانى من الماكينات الأفضل دورانا من مشجعى نوادى كرة القدم وقوات أمن فرق كرة القدم.
وحده المصدر الأول ـ بالطبع ـ الذى كانت لديه أجندة سياسية إستراتيجية ومن اللحظة التى ألزم فيها الإسلاميون أنفسهم بالقتال كان هدفهم هو حيازة واستغلال ووراثة الثورة!
التقرير الإستراتيجى الخطير خلص إلى مايلى وبالنص: على وجه الخصوصية، على الإدارة الأمريكية أن تنخرط مع المجلس العسكرى الأعلى فى كل ما يقلق الولايات المتحدة لدرجة ألا تتخذ القرارات الفنية فى تأطير العملية الانتخابية بما يحفز آمال الإخوان السياسية (!) وبالإضافة لذلك يتوجب علينا اقتسام المعلومات معهم بشأن (التمويل الأجنبى للجماعات والأحزاب والحركات الإسلامية) مع تركيز النظر على عزل التجربة الديمقراطية المصرية عن المصالح الحيوية للقوى الخارجية (!)
وعلى وجه العلن، من المهم للإدارة الأمريكية أن تبعث برسالة واضحة للنخبة السياسية المصرية بشأن أى شكل يمكن لأمريكا أن تتصور مصر كشريك، وأن نتحدث بشكل واسع عن أن خدمة المصالح الأمريكية تكمن بشكل أفضل فى دعم التحول إلى حكومة مصرية يمكنها: أن تظهر من خلال الفعل التزامها بالحريات العالمية فى التعبير والتجمع والاعتقاد والدين وبالصحافة الحرة، وتشجع الحريات الدينية وأن تمارس وتفرض التسامح الدينى لصالح كل الأقليات وتدعم حقوق الشعب فى الاتصال الحر بما فى ذلك الاتصال عبر الإنترنت دونما تدخل وتحارب التطرف بكل أشكاله بما فى ذلك التطرف الديني.
تمثل بكل الطرق العملية الطموحات المشروعة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لشعبها من خلال السلوك والممارسات الديمقراطية ( بما فى ذلك الانتخابات الحرة والنزيهة لمنصب الرئيس وللبرلمان).
تحترم حكم القانون ومؤسسات العدالة وتعترف بالأهمية الحيوية لنظام قضائى مستقل وتكافح الفساد على جميع مستويات الحكومة.
ملتزمة بالوفاء بالتزاماتها الدولية بما فى ذلك (وليس فقط قصرا على ذلك) حرية الملاحة عبر قناة السويس والسلام مع إسرائيل وتوسيع عملية السلام فى المنطقة، والالتزام بالوفاء بمكافحة التطرف والإرهاب والحل السلمى للصراع السودانى (!) بما فى ذلك الاعتراف بالتقسيم (وكل التزامات أخرى بالمعاهدة(!) وكل الواجبات التى تترتب على عضو محب للسلام فى الأمم المتحدة.
تؤكد بحزم على الشراكة الثنائية مع الولايات المتحدة وأن تسعى لتحسين السلام والأمن فى الشرق الأوسط وإفريقيا وحوض البحر الابيض المتوسط، هذه هى مصر التى تستحق الدعم السياسى والمساعدة المالية الكاملة من الولايات المتحدة بشقيها العسكرى والاقتصادي، وفى الوقت الذى يبدأ المصريون فيه صنع خياراتهم السياسية بشأن قيادتهم المستقبلية واتجاههم الإستراتيجى. على واشنطن أن تخط رسالة واضحة بأنها جاهزة لتقديم هذا الدعم لحكومة بمقدورها أن تتفهم هذه المبادئ وتعمل على تطبيقها بالممارسة. إن حكومة تقودها أو ترشدها أو توعز لها حركة الإخوان. لن تتمكن من الاستجابة لهذا الامتحان فى أن تسبغ على هذه المبادئ أثرا سياسيا حقيقيا، وسيكون من المهم أيضا على الإدارة الأمريكية أن تعمل من الآن على خلق حوافز لتشجيع المصريين على اختيار نوعية القيادة التى سنقيم شراكتنا معها، وعلى سبيل المثال. أن تكون هناك مصر تقودها المبادئ التى سبقت الإشارة إليها.
ومن بين الحوافز على واشنطن أن تنظر بعين الاعتبار إلى: مفاوضات مفتوحة بشأن اتفاقية التجارة الحرة.
توسيع برنامج الكويز (المناطق الحرة الصناعية) تقديم قرض مبكر للحكومة المصرية يتواءم مع أصول عصر مبارك المصادرة وزيادة درامية فى المبادرات التعليمية بما فى ذلك التوسع الجوهرى فى برامج التبادل الجامعى التى تأتى بالطلاب المصريين إلى الولايات المتحدة وخلق فرص للتعلم عن بعد للكثيرين منهم.
انتهى التقرير المخابراتى الخطير. لكن عجائبه لم تنته حتى الآن. وأهمها: أن الثورة قام بها مشجعو كرة القدم وأفراد أمن النوادى بقيادة الليبراليين. وأن واشنطن ـ التى تم تضليلها بالإعلام ـ ترى أن صاحب الثورة هم الليبراليون العلمانيون دون سواهم من الانتهازيين ـ وهم الإسلاميون، وفقا لهذا التقرير ـ وأن هذا الفصيل الأخير يعنى فض الشراكة مع مصر حال أن ظهرت لهم أى بصمة فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأن إقصاءهم عن الساحة السياسية هو قمة الالتزام بالديمقراطية والحريات العالمية بما فيها حرية التعبير والاعتقاد والإيمان بسيادة القانون. وإلا، ناهيك عن نوع الحكومة التى يتوجب على المصريين اختيارها ـ بمحض إرادتهم الحرة ـ والتى تعمل على قبول تقسيم السودان. والأهم تجفيف منابع التمويل الأجنبى للحركات الإسلامية. دون غيرهم!
ضد الضباط الأحرار والإخوان
هذه الرؤية الاستخباراتية التى صدرت 13 إبريل الماضى. سرعان ما وجدت صداها بنهاية الشهر التالى 29 مايو 2001 فى سياق مقال مهم نشر فى صحيفة سبيكتاتور البريطانية للكاتب والمحلل دانييل كورسكى بعنوان: ثورة مصر بعد 6 أشهر. قال فيه: عدت للقاهرة لأكتشف إلى أين وصلت ثورة 25 يناير. وبعد ما يقرب من ستة أشهر على غروب شمس مبارك فإن التحول من الشمولية يجرى بصورة جيدة. هناك فارق فورى عن زيارتى الأخيرة. غياب نقاط تفتيش الجيش، وظهور ضباط البوليس بملابس بيضاء جديدة يقفون على نواصى الشوارع. لكن الوجود العسكرى الثقيل من حولهم قد زال. بوليس القاهرة الذى كان غائبا أثناء الثورة قد عاد بزى أبيض جديد. ومع ذلك، فإن الجيش أو المجلس الأعلى للقوات المسلحة كما يصفون أنفسهم (!) لا يزال مسئولا بشكل كبير. يملى الطريقة التى ستمضى بها العملية الديمقراطية. كنت قد علمت سلفا منذ بضعة أسابيع أن الجيش يريد العودة للثكنات، وأن يحتفظ بمميزاته الاقتصادية وأن يدع المدنيين يلومون أنفسهم على القرارات الصعبة. لكن كلما مكثوا فترة أطول فى السلطة اعتادوا أكثر على السلطة. لقد كان الضباط الأحرار عام 1952 يريدون الحكم العسكرى المؤقت لمصر، لكن الجيش المصرى واصل الحكم حتى 2011، وكرد على الحكم العسكرى رأى ميدان التحرير أن هناك بديلا آخر للحياة. فالشعب الآن فى الميدان لا ينتهون. يتجمعون فى جماعات صغيرة للتعبير عن مخاوفهم ، حقيقة الناس يجتمعون عبر المدينة لمناقشة العديد من الموضوعات، وقد حضرت لقاء مهما بين السلفيين وأنصار حرية المرأة ناقش دور المرأة فى السياسات المصرية ولم يكن هناك ـ كما يمكن أن تتوقع ـ اتفاق كبير. لكن حقيقة أن النقاش حدث هو علامة على التقدم. أنا مقتنع وبشكل متزايد ـ برغم ذلك ـ أن قرار الجيش بعقد الانتخابات البرلمانية أولا والانتخابات الرئاسية لاحقا سيكون حاسما بالنسبة لتحول مصر وينبغى أن يتم العكس فيه (!) فمصر تحتاج إلى شخصية مثل أيون أليسكو الرئيس الرومانى فيما بعد الشيوعية. يمكنه أن يساعد فى خلق إجماع شعبى لعملية تماسك ديمقراطى ويشرف على كتابة دستور جديد. رئيس يمكنه أن يخلق حكومة وحدة وطنية وأن يضم جماهير المترددين فى السابق للخدمة. لو أن الرئيس وعد بأن يمكث فى الحكم لفترة واحدة سيكون هذا أفضل. وسيكون من شأن دستور جديد أن يقود إلى نظام برلمانى للحكومة وهو ما قد يكون أفضل لبلد سئم حكم الرجل الواحد. إن الذهاب للانتخابات البرلمانية أولا ربما يعنى (مزيدا من السلطة للإخوان المسلمين ونفوذا أقل للأحزاب الليبرالية المصرية) وستكون لهم كلمتهم الكبيرة فى مستقبل الدستور. ويحتمل أن ينتهى الإخوان إلى الخدمة لا فى البرلمان فحسب ولكن فى الحكومة أيضا. فإذا ما أعلن الجيش عن تنصله وتبديل ترتيب جدول الانتخابات. فإن الإخوان المسلمين قد يحتشدون ضد التغيير. ولكن القتال سيكون من الأسهل الفوز به أكثر من السماح لهم بالسيطرة على مستقبل التشريع. ولهذه الأسباب فإن على وزير الخارجية وليام هيج أن يضغط على الجيش المصرى للرجوع عن قراره، وأن يحث السعودية وتركيا والولايات المتحدة على أن تفعل مثله.
انتهى المقال. لكن ألا تلاحظوا هنا أن الكاتب والمحلل البريطانى بصرف النظر عن خطئه فى حساب الزمن على مرور 6 أشهر وقتها ـ قد خالف كل ماله صلة بالديمقراطية التى تعد بلاده علما عريقا فيها. والأهم العمل على أن يفوز الليبراليون بسهولة دون منافس. وأنه من الأفضل أن يكون هناك رئيس يعمل على تشكيل حكومة وبرلمان لا يكون فيه للقوى السياسية الإسلامية أدنى كلمة وأن يعمل المجلس العسكرى المصرى على حرمان الإسلاميين من الحق فى الكلام والتعبير. منطق الإقصاء من جديد. وتزوير الإرادة الشعبية من جديد. والأهم أن يتم توثيق الخطر الإسلامى بوصفه العقبة الكبرى أمام الثورة التى قامت وفقا لهذا المحلل كرد فعل على استمرار الضباط الأحرار من 52 وحتى 2011، وكأنها كانت الثورة المضادة لثورة 23 يوليو!
فتش عن. جوجل
هذا الخلط الكبير يظهر إلى أى مدى تأثر العقل الغربى بالتضليل الذى مارسته وسائل الإعلام الغربية، وكيف انتهى التحليل السياسى والإستراتيجى للوقوع فى كمائن الضلال والحيدة عن الحرية والديمقراطية. والأهم أنهم برغم كل شيء. وبرغم ما يصفونه من فراغ إستراتيجى فى الدولة المصرية ما بعد مبارك. فإنهم يتعاملون مع الثورة كإنجاز ليبرالى خالص. ويملون على المصريين ما يريدون أن يروه من مصر. فما الذى جرأهم على ذلك وأوقعهم فى هذه الفخاخ الغريبة!
فى يوم 11 فبراير. يوم تخلى الرئيس السابق مبارك عن الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة. خرج المحلل الأمريكى تونى كارتالوتشى بمقال عنوانه: مصنع جوجل للثورات. تحالف حركات الشباب والثورة الملونة فى طبعتها الثانية. قال فيه: فى 2008 أقام تحالف الحركات الشبابية قمته الافتتاحية فى نيويورك. وكان حاضرا تلك القمة خليط من أفراد وزارة الخارجية الأمريكية وأعضاء مجلس العلاقات الخارجية وأفراد سابقين بمجلس الأمن القومى الأمريكى ومن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ومستشارين من وزارة الأمن الداخلى وجيش من ممثلى الشركات الأمريكية العملاقة ومؤسسات الإعلام بما فيهم ممثلون عن شركات جوجل وفيس بوك وAT&T وسى إن إن وMTV وNBC وABCو CBS وMSNBC وهى محطات تليفزيونية أمريكية شهيرة. كان بوسع المرء أن يتصور أن مثل هذا التجمع من الممثلين، إنما أقيم من أجل السياسات الاقتصادية والمحلية والخارجية للولايات المتحدة يعقد إلى جوار من يشكلون الرأى العام فى وسائل الإعلام، وأنه يستهدف مناقشة مستقبل أمريكا وكيفية تسهيل الوصول لهذا المستقبل. لكن وجدنا إلى جوار صناع السياسات أولئك جيش من النشطاء السياسيين قلنا إنهم سيسهمون فى صنع مستقبل أمريكا. لكننا وجدنا من بينهم جماعة لا يكاد يعرفها أحد اسمها 6 إبريل من مصر. هؤلاء العارفون بالفيس بوك من المصريين والذين سيلتقون لاحقا بمحمد البرادعى رجل المجموعة الأمريكية الدولية للأزمات. فى مطار القاهرة فى فبراير 2010 والذين سينفقون العام التالى فى الاحتشاد والتظاهر لصالحه فى مسعاه لإقصاء الحكومة التى شكلها الرئيس المصرى حسنى مبارك. يزعم تقرير مهمة تحالف حركات الشباب أنها منظمة غير هادفة للربح أنشئت من أجل مساعدة النشطاء على بناء قدراتهم وأن يزيدوا من تأثيرهم فى العالم. وبينما يبدو هذا الكلام غاية فى البراءة فى البداية وربما يكون إيجابيا كذلك. إلا أننا عندما نتفحص هذه الحركات المتضمنة فى المؤتمر سنجد أجندة سوداء تكشف عن أن النوايا الطيبة من الصعب تصديقها. رسميا تحالف الحركات الشبابية فى شراكة مع وزارة الخارجية الأمريكية ومدرسة القانون بجامعة كولومبيا ورعاة هذا التحالف من الشركات يشمل جوجل وبيبسى ومجموعة أومنيكون وكلهم أعضاء فى رعاة مجلس العلاقات الخارجية (وثيق الصلة باللوبى الصهيونى فى واشنطن) وهناك شاتام هاوس وهى شركة من رعاة الحكام العالميين (الجلوبوكرات) وهى تشمل أيضا فيس بوك ويوتيوب وهاوكاست وناشونال جيوجرافيك ومؤسسة الدمان للعلاقات العامة. وتشمل إدارة تحالف الحركات الشبابية جاريد كوهين وهو مؤسس مشارك فى جوجل وهو مخطط سابق بوزارة الخارجية الأمريكية وسبق له العمل مع كوندوليزا رايس وهيلارى كلينتون وأعضاء من النيويورك تايمز والواشنطن بوست ومحطة تليفزيون فوكس نيوز.
والحق أنه من الصعب بالنظر إلى ارتباطات هؤلاء الناس أن نصدق أن التغيير الذى يريدونه هو أى شيء أقل من جيل يشرب البيبسى ويشترى المزيد من السلع الاستهلاكية، ويتذكرون الولايات المتحدة عندما يحكون الأكاذيب عن تأشيرة دخول أمريكا. لكن بينما كان النشطاء يحضرون هذه القمة ليفهموا فلسفات الليبرالية اليسارية. كان كل من وراء هذه القمة، تحضير أجندتها وتمويلها، من الشركات الأمريكية العملاقة. وهذه هى كل الشركات التى انتهكت حقوق الإنسان فى كل مكان فى العالم والذين دمروا البيئة والذين باعوا منتجات فى جميع أنحاء العالم صنعها عمال يعيشون فى ظلال العبودية، ويتبعون أجندة الجشع والتوسع بأى ثمن. وها هم يستغلون جيشا من الشباب الساذج، إن ما رأيناه ليس مؤسسة يمكن لكل النشطاء فى العالم أن يعملوا من خلالها، ولكن مؤسسة لها مجموعة انتقائية تعمل على مناطق تمثل مشكلات للخارجية الأمريكية، وكان واضحا أن الخارجية تريد أن ترى تغييرا فى مصر والسودان وإيران والسعودية وفنزويلا وحتى تايلاند، حيث توجد حكومات غير متجاوبة مع أجندة مصالح الشركات الأمريكية العملاقة. ولقد كانت حركة 6 إبريل المصرية واحدة منها ودورها فى النجاح الظاهرى للولايات المتحدة فى إقصاء حسنى مبارك الذى قد نرى محمد البرادعى على مقعده الرئاسى هو نموذج للكيفية التى يعمل من خلالها هذا الجيش الشبابى والذى تم تجنيده فى سياق الثورات الملونة لدعم أمريكا الشركات!
والمقال طويل. والأسماء والفضائح أكثر طولا. وهو حقيقى تماما ولا كذب ولا تزوير فيه. وسنعود إليه كثيرا. لكن الأخطر. أنه ـ بدوره ـ يكرس لإرادة جوجل وبيبسى كولا فى هذه الثورة. تماما كحكاية جماهير نوادى كرة القدم وقيادتهم للثورة المصرية. وهى حكاية أخرى.

المصدر: الأهرام العربى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق