الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

الشيطان بين يديك والموساد في الشبكة الجاسوس المحمول

 المصدر: الأهرام العربى


- حقيقة تأكدت منها من أكثر من مصدر: ضباط المخابرات في العالم مصابون بمرض التكنوفوبيا.. أو الخوف المرضي من التكنولوجيا، إذا كان عليهم العمل في بيئات مغلقة، فهم لا يأمنون لحواسبهم الشخصية ولا حتي شبكاتهم الداخلية المؤمنة تماما.. وفي الميدان يمكنك تخيل أي شيء إلا أن تتصور أنهم يتصلون ببعضهم البعض من خلال المحمول، وحتي ذلك الجاسوس اللبناني شربل قزي الذي كان يعمل فني صيانة ربط محطات إرسال التليفون المحمول بالمايكرويف، بشركة ألفا والذي تم القبض عليه بنهاية الشهر الماضي في بيروت.. لم يكن سادته في الموساد الإسرائيلي يتصلون به عبر المحمول بل كانوا يلتقونه شخصيا في باريس، في تلك الفترات الاستثنائية التي كان يتغيب فيها عن تقديم برنامج ما يطلبه المستمعون.. في تل أبيب!!
-- الجاسوس اللبناني شربل والذي شغل الرأي العام اللبناني منذ 28يونيو الماضي كان يعمل منذ 14سنة في خدمة الموساد، تم تجنيده عام 1996خلال تردده علي منطقة الشريط الحدودي مع إسرائيل، تحديدا عندما كان يعمل في مجال تركيب محطات إرسال المحمول وصيانتها في منطقة جزين، يعتقد أن عددا من أقاربه كانوا أعضاء في ميليشيا لحد، وأن أحدهم رشحه للعمل لحساب المخابرات الإسرائيلية.. وبحسب الصحافة اللبنانية فقد انتقل شربل قزي إلي الأراضي الفلسطينية أكثر من مرة للقاء الضباط الإسرائيليين المسئولين عنه طيلة أربع سنوات، وهي المدة الفاصلة بين تاريخ تجنيده وتحرير الجنوب عام 2000..بعدها، بات شربل يلتقي الضباط الإسرائيليين في بلدان أوروبية عديدة، وبالذات فرنسا.. ويبدو أن سخاء الموساد معه كان من أبرز عوامل سقوطه.. فهذا الفني البسيط يمتلك حاليا مشروعا سكنيا يضم خمس عمارات في منطقة جورة البلوط!!
- الرسائل العمياء
المشكلة الحقيقية في قضية جاسوسية شربل قزي أن السلطات اللبنانية تريد أن تعرف ما الذي يعرفه هذا الجاسوس.. لا ما يعرفه بالفعل الموساد، فالمتهم يملك معرفة عميقة بالأسرار التكنولوجية لشركته، وسبق أن حضر عددا من الدورات التدريبية المتقدمة. ووفقا للمنشور من "تسريبات" للصحافة اللبنانية، فإن مخابرات الجيش اللبناني خصصت فريقاً متخصصاً مهمّته دراسة القدرات التكنولوجية للمتهم وصلاحياته وخبراته ومهامه الوظيفية.. فقط حتي يتمكن المحققون الأمنيون من طرح الأسئلة المناسبة عليه خلال التحقيق والحصول منه علي معلومات تفصيلية توضح حجم الاختراق الذي حققته المخابرات الإسرائيلية في شبكة المحمول اللبنانية.. لكن برغم عدم وضوح المعلومات فيما يختص بدوره في خدمة الموساد، فإن أخطر التهم التي تنسبها إليه الصحافة اللبنانية، تكمن في ذلك المقال الغريب الذي نشرته صحيفة الأخبار اللبنانبة في أعقاب القبض عليه بعنوان: موقوف الـ "ألفا": اتصالات وهمية ورسائل عمياء.. حيث قالت الصحيفة إن الرجل كان يملك "مفاتيح المرور السرية password التي تخوّله استخدام أي جهاز كمبيوتر موصول بشبكة الإنترنت، داخل مبني الشركة أو خارجها، لاختراق بيانات الشركة التي يعمل فيها، والتي ينبغي أن تكون سرية. ونظرياً علي الأقل، يعني ذلك أن الاستخبارات الإسرائيلية باتت قادرة علي التحكم بجزء من بيانات الشركة، من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو من أي مكان في العالم!
وأضافت الصحيفة: ويتعدي البحث ما ذكر سابقاً عن تنفيذ بعض العمليات التقنية في محطات بث الهاتف الخلوي "المحمول" لتسهيل مهمة التنصت علي المكالمات أمام الصهاينة، فضلاً عن السماح لهم بتحديد مواقع الهاتف المحمول "وهذه العمليات ليست مرتبطة حصرياً بزرع أجهزة ومعدات زوّده بها مشغلوه في الموساد"، إذ إن للموقوف قدرة علي التلاعب ببيانات الهاتف المحمول، وإضافة أو حذف ما يشاء منها، فضلاً عن القدرة التي بإمكانه منحها لمن يشغلونه في الموساد، وجعلهم قادرين علي تسجيل بيانات هاتفية لم تحصل.. بمعني "أن تُسجل قاعدة البيانات حصول مكالمات من رقم هاتف محدّد إلي آخر من دون حصول ذلك فعلياً"..
وشرحت "الأخبار" خطورة ما كان يقوم به العميل قزي، ونقلت عن أحد الخبراء الأمنيين والتكنولوجيين قوله :إن تنفيذ هذا الطلب ممكن ببساطة، وإنه شبيه بتكنولوجيا الرسالة العمياء Blind message التي يستخدمها الإسرائيليون لتحديد الموقع الجغرافي الدقيق لمن يريدون من مستخدمي الهاتف المحمول.. وتستند هذه التكنولوجيا إلي إرسال رسائل نصية SMS لا تظهر لمستخدم الهاتف، ولا تُسجل في حافظة الرسائل Inbox، كما أن مستخدم الهاتف لا يعلم بوصولها إلي هاتفه. وتعمل هذه الرسائل غير المرئية، وفقاً لبرنامج يدفع الهاتف المستهدف للرد برسالة لا يعلم بها الشخص الذي يستخدم الهاتف، كما لا تسجل في حاوية الرسائل المرسلة (Sent items). وعندما تصل هذه الرسالة، يتمكن الإسرائيليون من تحديد الموقع الجغرافي لحامل الهاتف المحمول!!
هذه هي عينة مما يتم تداوله في الإعلام اللبناني، والخطير أنها معلومات متناقضة تصدر في وقت واحد، فهي تشير لاختراقات إسرائيلية ضخمة ، بينما تجهل جهات التحقيق الاستخباراتية حجم قدرات هذا الجاسوس، بعبارة أخري هناك يقين من وجود ثمرة ضخمة في يد الموساد، بينما لا يوجد برهان واحد علي وجود بذور يمكنها إنتاج ثمرة بهذا الحجم!! هذا التناول الجزافي في الإعلام اللبناني ـ في حد ذاته ـ قد يكون هو الثمرة الضخمة التي تجنيها إسرائيل.. مجانا ولوجه الله!!
- ما يفقده المستمعون
برامج التجسس علي الهاتف المحمول متوفرة بكثافة علي الإنترنت، وتشكل تجارة رائجة للغاية، حيث يتم استهداف الأزواج بها بالأساس، مرة للتنصت علي مكالمات ورسائل الصغار بحجة حمايتهم من الشواذ أو وقايتهم من الغواية، ومرة أخري للتنصت علي الزوج من باب درء الشبهات أو إثبات الخيانة الزوجية، وتعمل هذه البرامج عبر الإنترنت لتقدم تقريرا فوريا وشاملا بعدد الرسائل والمكالمات ومن أين صدرت ومتي تم استقبالها والأهم: محتواها.. كما تصل هذه البرامج للمستهلكين في جميع أنحاء العالم بمبالغ تتراوح ما بين 15إلي 100دولار، شاملة خاصية تعقب تحركات الهاتف المحمول وبالذات في حالات سرقته.. ثم إن خاصية البلوتوث كافية لسرقة جميع بيانات واتصالات الهاتف المحمول.. وفي العالم بأسره تنمو قطاعات إنتاج أجهزة التنصت علي التليفون المحمول لأغراض التجسس الصناعي والشخصي.. وفي الولايات المتحدة تقدر وزارة الخارجية الأمريكية أن مبيعات أجهزة التنصت علي التليفون المحمول تتجاوز 700ألف جهاز سنويا، وأن أكثر من 6500واقعة تجسس صناعي يتم الكشف عنها في كل عام وأن الأثر الاقتصادي لهذه العمليات يوقع خسائر في المتوسط مقدارها مليونا و250 ألف دولار في الواقعة الواحدة، وببداية هذا العقد وفي 2001تحديدا قدرت الجمعية الأمريكية للأمن الصناعي أن عمليات التجسس الصناعي بواسطة التنصت علي المحمول، كبدت الشركات الألف التي تعتبرها مجلة فورشن في مقدمة الاقتصاد الأمريكي ما يزيد علي 33 مليار دولار، وفي التقرير السنوي للكونجرس لعام 2004فإن هذه الأنشطة التي تتم من داخل وخارج الولايات المتحدة تكبد الاقتصاد الأمريكي سنويا من 100إلي 250مليار دولار.. علما بأن هذه التقارير لم تضع في اعتبارها الشركات الأمريكية التي يعمل بها 20موظفا فأكثر وعددها 600ألف، أو حتي الشركات التي يعمل بها نحو 100عامل والتي يبلغ عددها في أمريكا 98ألف منشأة!!
العالم لا يفتقد إذن لأجهزة التنصت المتقدمة علي الهواتف المحمولة، ولا يفتقر السوق العالمي أيضا لأجهزة كشف هذا التنصت، وتكنولوجيا التجسس علي المحمول تتطور كل يوم، وتتاح بأيدي الأفراد بشكل متزايد، والأغرب أن الشركات التي تبيع أجهزة كشف التنصت علي التليفون المحمول، تؤكد أنه لم يعد ضروريا بالمرة أن يتم زرع أي أجهزة أو مكونات متطورة داخل المحمول للتنصت علي مكالمات الناس واختراق أسرارهم وخصوصياتهم، لأن البرنامج التافه الحجم والقدرة والذي لا يمكنك الشعور به داخل جهازك المحمول، والذي يمكنه أن يسجل كل مكالماتك ورسائلك النصية يباع في أغلب مواقع الإنترنت بمبالغ أكثر ضآلة بزعم حماية الصغار وكشف الخيانة الزوجية، وأن كل مستخدم للمحمول يتصور أن بوسعه إحراز شكل من الخصوصية إذا ما ابتعد عن جهازه المحمول بستة أقدام هو واهم.. لأن التكنولوجيا الجديدة بوسعها تسجيل كل صوت يصدر من حول التليفون المحمول علي بعد 15قدما حتي لو كان المحمول مغلقا!!
فما حاجة أجهزة المخابرات إذن لزرع جواسيس داخل محطات شبكات التليفون المحمول؟.. ثم ما الذي تفتقده إسرائيل أصلا من وسائل لاختراق الاتصالات المحمولة للأفراد في لبنان وغيره من دول المنطقة.. في ظل وجود برامج للتجسس تبدأ من 15دولاراً، يشتريها الأزواج المتشككون في زوجاتهم من آلاف المواقع علي الإنترنت، والأهم لماذا سكبت إسرائيل الأموال علي الفني شربل قزي طيلة هذه الأعوام؟
المؤكد: أنه في عالم اليوم توجد نظم متعددة للتجسس الإلكتروني باختراق الإشارات SIGINT ولا تكاد توجد دولة واحدة في العالم ـ بما في ذلك العالم العربي وفي مقدمته مصر ـ لا تمتلك نظاما للتجسس الإلكتروني باختراق الإشارات في سياق ما يسمي بالحرب الإلكترونية.. هذه النظم وتلك العمليات ـ التي تشرف عليها جهات عسكرية بالدرجة الأولي ـ الهدف منها هو التنصت علي كل الإشارات السلكية واللاسلكية الخاصة بالعدو سواء القائم أم المحتمل.. والتشويش عليها وقت اللزوم واختراق شبكات الحاسب الآلي والاتصالات بالمحمول وبالقدر نفسه: حماية اتصالات الدولة من الاختراق والتنصت في ذات الوقت!! ويعد النظام الأشهر في العالم لاختراق وجمع وتحليل الإشارات، هو ذلك النظام المعروف إعلاميا باسم إيشيلون ECHELON، وهو نظام تتشارك فيه 5 دول هي أمريكا وبريطانيا وكندا ونيوزيلندا وأستراليا وتشرف عليه وكالة الأمن القومي الأمريكية NSA ، مهمته التنصت علي كل المكالمات الهاتفية والفاكسات وأي إشارات رقمية تصدر من أي شبكة، وكذلك الأقمار الصناعية لتحليلها واستنتاج المعلومات العسكرية والدبلوماسية وحتي التجارية لاستخدامها في سياقات أخري فيما بعد، ويرجع تاريخه إلي أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، وتم استخدامه في الستينيات ضد الاتحاد السوفيتي السابق ودول الكتلة الشرقية، وبانتهاء الحرب الباردة يعمل هذا النظام لاختراق جميع الاتصالات لتعقب ما يسمي بشبكات الإرهاب الدولية ومهربي المخدرات، إلي جوار الأغراض العسكرية وأنواع التجسس علي الاتصالات السياسية والدبلوماسية، ومن المثير أن هذا النظام وقدراته وتأثيراته السياسية كان موضع تحقيق لجنة شكلها الاتحاد الأوروبي، وقد صدر تقرير بشأنه عام 2001انتهي إلي أن هذه المنظومة قادرة علي اختراق وتحليل محتوي كل المكالمات الهاتفية ورسائل الفاكس ورسائل البريد الإلكتروني، وغيرها من المعلومات في كل أنحاء العالم من خلال اختراق الوسائط التي تحمل هذه المعلومات بما فيها الأقمار الصناعية وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية ووصلات المايكرويف "التي تحمل اتصالات التليفون المحمول في كل أنحاء العالم" وكوابل الإنترنت!!
هذه الإمكانيات متاحة لإسرائيل بموجب التزام أمريكي علني بضمان أمنها وتفوقها الإستراتيجي، ولا يخفي أيضا ما تتمتع به إسرائيل من شراكات إستراتيجية متعددة مع الأطراف الأخري التي تشترك في هذا النظام وبالذات كندا وبريطانيا.. وهو ما يبرر السؤال عن حاجة إسرائيل للمدعو شربل قزي، بل ويدفعنا أيضا للسؤال الأوسع حول حقيقة "صورة" قدرات إسرائيل التجسسية.. وتلك الأساطير التي يتداولها الإعلام العربي ـ للأسف ـ حول التفوق الاستخباري الإستراتيجي للإسرائيليين!!
- الحقيقة والخيال
في 9 ديسمبر من عام 99 نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية خبرا عنوانه: باحثون إسرائيليون يحطمون شفرة شبكات المحمول.. هذا الخبر لا يزال موجودا علي موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية حتي اليوم، يقول الخبر إن العالمين الإسرائيليين آدي شامير وأليكس بريكوف من معهد وايزمان للعلوم، تمكنا من اختراع نظام لفك شفرات شبكات المحمول التي تستخدم تكنولوجيا GSM " النظام العالمي لتشغيل الهاتف المحمول"، وهي التكنولوجيا التي تخدم حاليا 210مليون مشترك في جميع أنحاء العالم وتستخدمه شبكات المحمول داخل إسرائيل أيضا.. شامير وبريكوف تمكنا من اختراق الطريقة المستخدمة لتشفير المحادثات الهاتفية ومنع الاختراق أو التنصت عليها داخل نظام GSM.. وتوجد الشفرة أيضا في الكارد المغناطيسي داخل الجهاز المحمول لمنع سرقة المكالمات الهاتفية "كما سبق وحدث في إسرائيل في شبكة بيليفون"، كما توجد الشفرة في منظومة نقل المكالمات التي هي جزء من الشبكات، والتي تتم برمجتها لمنع الاختراق والتنصت.
وفي 3 سبتمبر من عام 2003نشرت نفس الصحيفة مقالا للكاتب هادار أوريش بعنوان: فريق من التخنيون يفك شفرة الاتصالات المحمولة.. قال فيه إن الباحثين في معهد التخنيون أعلنوا أنهم وجدوا طريقة فاعلة لفك نظم التشفير للمحادثات التي تتم من خلال التليفونات المحمولة عبر كل شبكات GSM، وأن الفريق البحثي في حيفا الذي ضم البروفيسور إيلي بيهان وطلبة الدكتوراة أيلاد باركان وناتان كيلر، قدموا أبحاثهم خلال مؤتمر كريبتو2003 الذي انعقد علي مدار أسبوعين بجامعة كاليفورنيا الأمريكية في سانتا باربرا، وقد أثار البحث اهتمام شركات المحمول وجهات تصنيع الهاتف المحمول، لكن لم يجد أي من هذه الشركات أي استعداد للتعليق علي هذا التهديد المحتمل لأمن شبكات الهاتف المحمول.. وأضاف المقال: إن تكنولوجيا GSM هي واحدة من معيارين يستخدمان في العالم لخدمة الاتصال بالمحمول وهذه التقنية الرقمية تم تطويرها أصلا لخدمة أوروبا ولكنها الآن تدخل في 70بالمائة من سوق الاتصالات المحمولة في العالم، ويوجد حاليا 540شركة لخدمة المحول تقدم خدمات GSM لنحو 870مليون مشترك عبر العالم.. ولكي تقوم الشركات العالمية بحل مشكلة الاختراق التي تناولها الباحثون الإسرائيليون فعليها ـ من بين تدابير متعددة ـ أن تغير كل الهواتف التي يستخدمها مشتركوها!!
لكن أخطر ما ذكره المقال فهو بالنص: تعتبر تقنية GSM هي الأكثر أمنا نسبيا، والحالة الوحيدة للتنصت واسع الانتشار علي الهاتف المحمول حدثت في إسرائيل، وشملت تسجيل مكالمات هاتفية بين محرري أخبار كبار في صحيفتي يديعوت أحرونوت ومعاريف، هذا التنصت تم من خلال نظام تم تطويره في شركة اي سي آي تليكوم للاستخدام في وكالات المخابرات، وهذا النظام قادر فحسب علي اختراق المكالمات الهاتفية في شبكة بيليفون الإسرائيلية، ولكنه غير فاعل في تسجيل المكالمات في الشبكات الرقمية "التي يتم تطويرها حاليا" لخدمة المشتركين في شبكة بيليفون وسيلكوم وبارتنر "أورانج".. ويتم إجراء المحادثات الهاتفية عبر المحمول من خلال إشارات رقمية حيث تتم ترجمة الإشارات الصوتية إلي إشارات رقمية، تحمل المحتوي تمر عبر عمليات تشفير يتم فكها قبل وصول الصوت لمستقبل المكالمة فتتحول من جديد إلي صوت وخلال هذه العملية تحدث عملية فلترة للشفرة من أجل تنقية الصوت.. ما تمكن علماء معهد التخنيون من إحرازه هو خطف الشفرة التي يرسلها الهاتف إلي أبراج المحمول من خلال جمع الإشارات الرقمية التي يتم إرسالها منه وإليه أثناء عملية الفلترة.. وبالتالي يمكن التنصت علي المكالمات داخل الشبكة خلال أي من أجهزة المحمول التي تم اختراق شفراتها!!
- نقطة الضعف
إذن عملية تنقية الصوت التي تتم من خلال أبراج المحمول هي الثغرة التي تنفذ منها جهات التنصت علي المكالمات الهاتفية، ومن ثم تقوم باختطاف الإشارات الرقمية وتسجيل كل المكالمات في زمن حدوثها بشكل منتظم ودائم، وهو ما يعني عمليا أن اللعبة تتم من خارج أبراج المحمول لا من داخلها، برغم استهداف هذه الأبراج طيلة الوقت من خلال أجهزة للتنصت علي الإشارات وهي متوافرة فقط في الجيوش التي تمتلك بالضرورة أنظمة للحرب الإلكترونية.
لكن يظل في المقال فقرة تثير التأمل إذ يقول الكاتب: إن هذا لا يعني أنه من المستحيل علي الأفراد أن يتنصتوا علي المكالمات التي تتم عبر المحمول، فكل شركة تقدم خدمة المحمول، لديها أجهزة لتحديد موقع التليفون المحمول وتسجيل المكالمات التي تتم عبرها من قبل كل المشتركين فيها، فالرخص التي تحصل عليها الشركات ترغمهم علي السماح للسلطات المختصة بأن تستمع إلي أي مكالمة بموجب إذن قضائي.. لكن ليس كل من يستمع لمكالمات المحمول مخول بهذه السلطة أو معني بالحصول علي إذن قضائي، فأجهزة المخابرات التي تعمل في مختلف دول العالم والمحققون الجنائيون وكذلك العناصر الإجرامية تسعي جميعا لحيازة جهاز رخيص الثمن يمكنها من فعل ذلك طيلة الوقت، وهو ما يسعي فريق معهد التخنيون حاليا للحصول علي براءة اختراعه.. علما بأن وكالة الأمن القومي الأمريكية والتي تلقت أموالا طائلة منذ أحداث 11 سبتمبر قد تمكنت بالفعل من فك شفرات أنظمة GSMفي العالم وأنها قادرة علي تسجيل أي مكالمة هاتفية علي المحمول في كل أنحاء العالم.. ومن المقرر أن تتم تجربة المنظومة التي أنتجها باحثو معهد التخنيون العام 2004علي أن يتم طرح الاختراع تجاريا في الأسواق عام 2005!!
إذن، التكنولوجيا الإسرائيلية كانت حتي 99 عاجزة عن اختراق شفرات الأجهزة، وتمكنت من الإنجاز في اختراق الشبكات والأجهزة المحمولة عام 2003..أي بعد 7 سنوات كاملة من تجنيد الفني اللبناني في الموساد، وبالنظر لانتشار تقنيات التنصت واختراق الشبكات المحمولة وكذا تقنيات تأمين الأجهزة المحمولة ورخص سعرها حاليا.. وهي تقنيات لا تتطور بين يوم وليلة، بل عبر سنوات طوال يصل بعضها في الحالات التي أثرت علي الاقتصاد الأمريكي لما قبل عام 2000، يمكننا كشف مدي الدعاية الزائفة التي تحيط بقدرات إسرائيل علي اختراق الاتصالات المحمولة في العالم العربي، ومن المثير أن الإسرائيليين أنفسهم في الفترة ما بين 99 وحتي2003 كانوا ضحية للتنصت الإلكتروني علي المكالمات التي تتم من خلال المحمول من قبل منظومة تنصت استخبارية مستوردة من الخارج، فكيف أمكن أن تحصل علي ثمرة كبيرة من خلال فني صيانة أبراج المحمول اللبناني شربل قزي عبر 14سنة ـ مؤكدة ـ من العمالة للموساد؟ لا شيء أكثر من تحديد هوية من تطلبهم الموساد وتحديد مواقع تواجدهم.
إن تضخيم الثمرة التي حصلت عليها إسرائيل قد يكون مفيدا في إلقاء الضوء علي فكرة وجود دور للموساد في اغتيال الحريري في فبراير 2005.. إذا ما تم استجواب الجاسوس اللبناني وفق رؤية تكنولوجية إستراتيجية، لكن افتراض قيامه بتسليم الشعب اللبناني بأسره للموساد هو أمر يصرف الانتباه عن فشل أقمار التجسس الإسرائيلية.. أما أجهزة المحمول ذاتها فتقوم بالعمل الدؤوب ليل نهار لتقدم خدمة التجسس علي نطاق أوسع يشمل العالم العربي كله.. طوعا ودون مقابل أيضا.. ولدينا البرهان.
- جاسوس في بيتي
التنصت علي مكالمات المحمول لا يحتاج لتكنولوجيا معقدة علي نحو ما يتصور الكثيرون، وهناك طرق معروفة ومنشورة علي الإنترنت، واحدة منها باستخدام خاصية البلوتوث مثلا.. فهذه الخاصية إذا ما تمكنت من توصيلها بمحمول آخر يمكنها من خلال ما تتسم به من إرسال واستقبال إشارات في مدي واسع.. ستتيح لك الكثير، مثلا إذا قمت بتوصيل هوائي علي جهاز كمبيوتر ووضعت سماعة علي أذنك، فبإمكانك ومن خلال البلوتوث الاستماع لمحادثات الهاتف الذي اخترقه البلوتوث وتسجيل المكالمة أيضا، طريقة أخري للتنصت يقوم بها هذه المرة فرن الميكرويف الذي يشيع استخدامه في المنازل الحديثة، فبمجرد إدارته لدقيقة واحدة.. ثم الاقتراب منه بالأذن المجردة يمكنك أن تستمع إلي أي مكالمة تتم عبر أي هاتف محمول في المكان بأسره.
الطريقة الثالثة هي أن تأتي بجهاز راديو وأن تقوم بمسح الإشارات من خلال المؤشر إلي أن تلتقط مكالمة هاتفية عبر المحمول، وكلما اقتربت من زاوية الالتقاط الواضح كلما استمعت أكثر للمكالمات عبر المحمول.. وفي هذه الحالة أنت تلتقط الإشارات الرقمية للمكالمة كما تتم في الواقع، ومن المثير، أن تكنولوجيا التنصت علي المحمول ـ حتي وإن كان مغلقا ـ تم استخدامها رسميا في عدد من دول العالم، وهي تتم من خلال تنشيط ميكرفون الهاتف المحمول حتي وإن كان مغلقا فيتم اختراق المكان بأسره الموجود فيه هذا المحمول وتسجيل كل ما يدور فيه.. مثلا: تمكنت المباحث الفيدرالية في ديسمبر 2006من الإيقاع بعائلة تعمل مع المافيا في نيويورك من خلال تنشيط ميكرفون أجهزة المحمول في يد هذه العائلة عن بعد من خلال تكنولوجيا تدعي roving bug وهي عبارة عن برنامج بسيط يتم استخدامه دون أن يعي صاحب المحمول بوجوده ولا يتطلب أن يقترب عملاء المباحث الفيدرالية من الجناة.. فالخاصية توجد في الهواء وما علي العميل إلا الانتباه لجهاز الاستقبال عن بعد لتسجيل كل ما يدور من أحاديث بجوار المحمول.. البريء، وهذه التقنية تم إقرارها رسميا من قبل وزارة العدل الأمريكية كوسيلة لجمع الادلة الجنائية!!
التكنولوجيا نفسها تم استخدامها قبل ذلك عام 2004من قبل أجهزة المخابرات البريطانية وفق تقرير نشرته شبكة بي بي سي الإخبارية، وبالذات في التجسس علي أعضاء في البرلمان ورجال أعمال.. لكن القضية الأشهر ظهرت في 3 أغسطس 2005عندما تم الكشف عن الشرطة في إيطاليا قامت باستخدام هذه التقنية ـ تنشيط الميكرفون ـ لتحديد موقع والقبض علي حسين عثمان الذي كان يخطط لتفجير انتحاري في بريطانيا يوم 21يوليو من العام ذاته.. تحديد الموقع لا يتطلب تكنولوجيا معقدة مع وجود أجهزة المحمول التي تقوم ببث إشارات رقمية طيلة الوقت لأبراج المحمول!!
و في اليونان، أفضت واقعة انتحار كوستاس سالكيديس مهندس الإلكترونيات البالغ من العمر 38سنة في مارس من عام 2005.. للكشف عن فضيحة تنصت كبري عبر شبكة فودافون اليونان علي رئيس الوزراء اليوناني وعمدة أثينا، و100 من الشخصيات العامة بينهم موظف في السفارة الأمريكية.. كانوا جميعا من المشتركين في الشبكة التي كان يعمل فيها هذا المهندس مسئولا عن التخطيط للشبكات فيها.. حيث قام بتسجيل كل المكالمات ذات الطابع السياسي والشخصي للغاية ولم تنطفيء جذوة هذه الفضيحة.. حتي اليوم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق