الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

فلوس الصهيونية المسيحية في مصر الجديدة!

فلوس الصهيونية المسيحية في مصر الجديدة!
التاريخ يكتبه المنتصرون. فهل انتصرت الولايات المتحدة في ميدان التحرير حنى تحتكر واشنطن لنفسها كتابة تاريخ ثورة 25 يناير المصرية؟. هل بلغ الفراغ الإستراتيجي في مصر الحد الذي سمح للصحافة الأمريكية ومراكز الأبحاث وجيوش المحللين الأمريكيين. بالانفراد بتأريخ وتوثيق هذه الثورة بوصفها إنجازاً أمريكياً خالصاً، ولماذا لم تجد ثورة 25 يناير من يدافع عن مصريتها بمواجهة تزويرها إعلاميا؟. ولماذا امتنع المنتصرون الحقيقيون من المصريين الوطنيين عن كتابة تاريخ هذه الثورة منذ أن بدأت أضخم عملية تزوير أمريكية للتاريخ المصري المعاصر. بداية من 11 فبراير الماضي وحتى وقت كتابة هذه السطور؟
ينفق المصريون مليارات الجنيهات سنويا ليتعلم أولادهم اللغة الإنجليزية، ويدفعون أكثر ليتعلم أولادهم باللغة الإنجليزية، ولا أحد يملك أن يجيب السؤال: لماذا؟
وبرغم أن ميدان التحرير منذ 25 يناير الماضي غرق في طوفان من لافتات الاحتجاج المكتوبة باللغة الإنجليزية Game over "اللعبة انتهت" و Go Out «ارحل» و غيرها من الشعارات التي لا أحد يعرف لوقت كتابة هذه السطور من كتبها ومن كان مقصودا بالخطاب منها ، فإن مصر بدت منذ نجاح الثورة في 11 فبراير وكأن أحدا فيها لا يعرف الإنجليزية وإلا فكيف نفسر ذلك التجاهل المريب لكل مانشر بالإنجليزية في العالم يؤرخ زورا وبهتانا لهذه الثورة بوصفها صناعة أمريكية!
- ليس الفقر وإنما الطريقة
وبعد المقال الذي نشرته النيويورك تايمز، والذي يعد تأسيسا للتزوير الذي بدأ في 13 فبراير، بدأت جوقة المحللين والمنظرين في العمل من أجل ترسيخ "أساس مذهبي ومنهجي مصطنع" لهذه الثورة التي لم تكن لها أية قيادة واضحة على الأرض لا في 25 يناير ولا من بعدها لليوم، ففي 17 فبراير كتبت المحللة الأمريكية ماري إليزابيث كينج مقالا نشرته على موقع شبكة العمل السلمي Nonviolent Action Network بعنوان: مصر وتونس القصة غير المروية قالت فيه إن المحللين في جميع أنحاء العالم ركزوا على الأسباب المادية "للانتفاضة" الديمقراطية في مصر كالفقر وشيوع البطالة وارتفاع أسعار الغذاء والفساد والافتقار للمشاركة السياسية والقمع والتعذيب ونكران حقوق الإنسان وغيرها. وهى كلها أمور قد تشكل أرضية للغليان لكنها لا يمكن أن تفسر وجود حشد قومي يقوم بالتحرك والوثوب لقد كان الفوران في كل من تونس ومصر يصنع على مهل خلال السنوات الماضية مثل كل الثورات السلمية التي قمت ببحثها "تقصد ما حدث في أوروبا الشرقية من ثورات ملونة" والتي تكشفت من خلالها العديد من الحوادث التراجيدية ولكن هذه الأحداث لم يكن من شأنها أن تؤسس لحركة قومية فالمعاناة وحدها لا يمكن أن تؤسس لقيام الحركة، وما أجج التحرك في شهري ديسمبر ويناير الماضيين قد لا يكون له أي أثر فيما حدث من قبلهما والواقع أن الأسباب المادية لقيام الثورات أقل أهمية من باقي العناصر فالمعرفة بمقدورها أن تكون أكثر أهمية من الحرمان ومن بين هذه العناصر: القدرة على بناء تحالفات واسعة وهنا يكون العدد والانتشار مهمين، وأن تكون هناك إمكانية لنشر المعلومات سواء من خلال دور العبادة أو الوسائط الإلكترونية التي يتم عبرها تعليم الكيفية التي تتم بها "المقاومة" السلمية أو المواد التي يتم تداولها من خلال "العمل السري" على غرار ماحدث خلال تحرك الثورات في بلدان أوروبا الشرقية و على أكثر المستويات أساسية. فإن الاتصال الواضح بشأن أسباب الاحتقان وأهداف التحرك الشعبي يعد أمرا أساسيا لنجاح العمل اللا عنيف فأنت إذا ما أردت من شخص ما أن يمتنع عن عمل أمر ما أو أن يبدأ أمرا ما، يتوجب عليك أن تكون قادرا على الوضوح في شرح الأفكار والطموحات والمطالب. و هو ما يفسر أهمية الرموز والشعارات واللافتات واللوجوهات والهتافات في المقاومة المدنية، من ضمن العناصر أيضا أن يعتقد الناس في أهمية العمل الجماهيري وان بوسعه أن يكون فاعلا، وأيضا مدى حرية حركة منظمات المجتمع المدني وان تكون لها قيادة مستقلة، وعنصر مهم آخر. هو درجة تعلم الجماعات أو المثقفين المنظمين الأسس النظرية الأساسية والطرق الأساسية لتقنيات المقاومة السلمية اللا عنيفة والحق أن كل هذه العناصر كانت حاضرة وتم تنفيذها في تونس ومصر خلال عامي 2010 و2011 بدرجات متفاوتة من الكثافة!
فما معنى هذا الكلام إن لم يكن تأسيسا وتكريسا لمركزية دور "الخبرة والتدريب" في قيام الثورة المصرية الخبرة التي قدمها من يقف وراء تمويل وتدريب المنظمات الحقوقية والحركات التي تتبنى العصيان المدني لقد أشارت الباحثة بوضوح إلى دور الشعارات واللافتات و هي هنا تستند إلى صور لافتات الثورة المصرية والتونسية و بالذات التي كتبت بالإنجليزية، والأخطر: ما انتهت إليه من أن كل ما تعلمه النشطاء كان حاضرا في الثورة المصرية - ومن قبلها التونسية وأن قيام الثورة في الحالين لم يكن من ورائه انفجار غضب الشعب من الظلم والفقر والتعذيب والبطالة وإنما ( المهارة) في تأجيج الثورة من قبل المحترفين الذين تم تدريبهم جيدا (!!)
هذه الدراسة التحليلية كانت تمهيدا خطيرا لما سيليها من تأريخ وتوثيق للثورة المصرية، ذلك أنها وضعت إطارا ذهنيا لدراسة الثورة المصرية، ومن المثير أن العقل الغربي بأسره أميل للوقوع في كمائن الوعي المعلب الوعي الذي يسيطر على الأذهان من خلال الصور الذهنية سابقة التجهيز!
- أموال الصهيونية المسيحية
لكن من قبل التحليل السابق، وفي اليوم التالي لنشر القصة المزورة في النيويورك تايمز، أي في 14 فبراير الماضي، كانت هناك قصة أخرى غير مروية، تكشف من الذي يقف وراء حركات حقوق الإنسان ومن يمولها ومن صاحب المصلحة الحقيقي في دفعها لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط وبالتالي من يقف وراء تغيير النظام في مصر هذه القصة كتبها المحلل السياسي الأمريكى توني كارتالوتشي بعنوان: هل المحافظون الجدد مع حقوق الإنسان؟. قال فيها: على عكس ما يمكن أن يستقر في أذهاننا فإن جانبا كبيرا من المحافظين الجدد منخرط بعمق في حقوق الانسان ومن العجيب أن يرى المرء مدى قدرتهم في هذا المجال وهم الذين يقفون وراء كل انتهاك لحقوق الانسان سواء في جوانتانامو أو في سجن أبوغريب أو في قانون المواطنة الأمريكى بدعوى الحرب المزعومة على الإرهاب و لعل أبرز جرائمهم تكمن في حقيقة أن الرئيس المصري حسني مبارك متورط في توفير تسهيلات لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية للمساعدة في برنامج التعذيب والاستجوابات السرية الذي تم خلال حكم إدارة الرئيس بوش والحق أنه إذا كان هناك وجود حقيقي لما يسمى بمحور الشر فإنهم بالتأكيد يستحقون أن يكون لهم مقعد فيه!
هؤلاء المحافظون الجدد لهم بصمتهم الواضحة ووجودهم البارز في هذه المؤسسات الأمريكية الضخمة الفعالة في تمويل ودعم المنظمات غير الحكومية في كمختلف أنحاء العالم ، فرانسيس فوكوياما وزلماي خليل زاد وفرانك كارلوتشي وويل مارشال وفين ويبر هم أبرز مدراء الوقف الوطني للديمقراطية "ناشونال إنداومنت" بينما كينيث ادلمان وماكس كامبلمان ودونالد رامسفيلد "وزير دفاع بوش السابقط و باولا دوبريانسكي وليونارد سوسمان وإلين بورك هم أعضاء مجلس الامناء للجنة التنفيذية لبيت الحرية "فريدوم هاوس". الحق أنه ليس ضربا من الخيال الواسع أن نقرر أنه لا صلة تربط حقوق الإنسان بأنشطة ناشونال إنداومنت أو فريدوم هاوس وليس من باب المصادفة ان من يديرون هاتين المنظمتين يديرون في الوقت نفسه أشهر الشركات الكبرى في أمريكا بداية من مؤسسة كارلايل إلى شركات الاسترزاق من الحروب كشركة هالبرتون وباكتل، ولعله مما يستحق التأمل أن دور هاتين المنظمتين "إنداومنت وفريدوم هاوس" الحالي في العالم ينصب في اتجاه تسهيل تغيير الأنظمة لحساب خلق كيانات جديدة تغذي الاقتصاد المعولم وزيادة أرباح الشركات الكبرى و في مصر كان واضحا أنه من العمق كان من بين المصريين المحتجين تيار خاص بمحمد البرادعي وهو أحد أعضاء مجلس أمناء المجموعة الدولية للأزمات وهو مركز أبحاث يزامله فيه زيجنيو بريجنيسكي وجورج سوروس وكينيث أدلمان سالف الذكر وريتشارد أرميتاج و لقد احتفت هذه المجموعة بنجاح عمل رجلهم البرادعي بوصفه" إعادة ولادة العالم العربي" ولقد ارسلت فريدوم هاوس تهانيها الحارة على"نجاحها" في مصر من خلال بيانهم الذي أصدروه بعنوان : فريدوم هاوس تهنيء الشعب المصري و يتوجب ملاحظة أن مشروع الشرق الأوسط للديمقراطية، الذي قام بتنسيق عملية الدعاية التي تساندها أمريكا في مصر هو مشروع ممول ناشونال إنداومنت تماما كمنظمة» المركز الأمريكى للتضامن العمالي الدولي"الحقوقية التي نظمت ودعمت اتحادات العمال المستقلة التي نزلت إلى الشوارع للتظاهر من أجل البرادعي!
و يمضي المحلل للقول: إن مصر لا تملك فحسب السيطرة على قناة السويس ولكنها تحظى أيضا باحتياطيات ضخمة من النفط ولديها تعداد سكاني ضخم يمثل سوقا محتملة قوامها 80 مليون نسمة، ولديها جيش ضخم ثقفته الولايات المتحدة خلال الثلاثين عاما المنصرمة يعتبر إضافة مرحبا بها إلى الجبهة السنية الموحدة ضد إيران وباستقالة مبارك وبحل الجيش للبرلمان وتعطيله للدستور وفقا لطلبات البرادعي تبدو مصر في حالة جيدة تؤهلها لخوض الطريق لعبودية العولمة!
هذا الكلام خطير للغاية، ليس لأنه يؤكد المزاعم التي تكرس لأمريكية الثورة المصرية فحسب، بل لأنه أيضا ربط هذه الثورة التي هي من وجهة نظره منتج أمريكي مغلف برداء حقوق الإنسان بالمحافظين الجدد الذين هم في الحقيقة قوام الصهيونية المسيحية وقوام مصالح التجمع العسكري الصناعي الأمريكي و هم الذين قادوا الحرب على العراق وفتتوه وجعلوا منه "سبوبة" للشركات الأمريكية التي تعمل في سياق "خصخصة الحرب. وهي الطبخة التي يمتلك حقوق علامتها التجارية دونالد رامسفيلد شخصيا!
لكن ماهي حكاية البرادعي و ما صلته بأمركة الثورة المصرية، ولماذا تريد آلة التزوير الأمريكية أن تضعه في جملة مفيدة في التدليل على أن الثورة المصرية ليست سوى ثورة ملونة صنعتها مخابرات واشنطن وفلوسها؟. ثم الأهم: ما حكاية المجموعة الدولية للأزمات؟.
- البرادعي ليه؟
أهم عضو في مجلس أمناء المجموعة الدولية للأزمات الملياردير اليهودي المتطرف جورج سوروس الذي ينفق على هذه المؤسسة البحثية الأمريكية المرموقة والتي تعمل وفق تنسيق خاص مع وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية CIA ومنظمة جويش واتش اليهودية الصهيونية المعروفة هذه المجموعة الدولية للأزمات التي تصف هدفها"منع الصراعات في العالم" تأسست عام 1995 وتعمل هذا العام بميزانية تصل إلى 17 مليون دولار هذه المنظمة تعمل من بروكسل ولها مراكز في واشنطن ونيويورك وموسكو ولندن. ولها مكاتب إقليمية في القاهرة ودمشق والقدس واسطنبول!
الدكتور محمد البرادعي هو واحد من مجلس أمناء هذه المجموعة ويزامله في هذا المجلس الأمريكي من أصل بولندي زيجنيو بريجينيسكي، مستشار مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية الذي يتلاعب بالرئيس أوباما ذات نفسه ويدفعه سرا وعلانية لضرب إيران وهو الصديق الحميم لبول وولفويتز أخطر صقور المحافظين الجدد والصهيونية المسيحية. وهو ذات الرجل الذي عمل كمستشار للأمن القومي الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق جيمي كارتر من 1977 إلى 1981 والوسيط الأشهر في المفاوضات التي أفضت لتوقيع "كامب ديفيد" بين السادات وبيجين، وهو الرجل الذي ساند المعارضين في أوروبا الشرقية حتى تقوض الاتحاد السوفياتي السابق، والرجل الذي تولى مسئولية"تمويل وتسليح" حركة المجاهدين في أفغانستان إبان الغزو السوفياتي لها و هو الذي أسهم في تأسيس تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في هذا الوقت، وهو صاحب فكرة قوات الانتشار السريع الأمريكية. وهو أيضا مهندس السيطرة الأمريكية على قناة بنما بموجب اتفاقية توريخو - كارتر عام 1999. و هو أيضا عضو مجلس مدراء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى الموالي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وعضو مجلس أمناء الوقف الديمقراطي الأمريكى " ناشيونال انداومنت" هم ممول لمنظمات المجتمع المدني في مصر.!!
بريجنيسكي يقضي معظم أوقاته حاليا ما بين مهامه الأكاديمية في جامعة جونز هوبكنز وما بين محطة تليفزيون MSNBC حيث يهندس تحليلات برنامج تليفزيونى تقدمه ابنته ميكا بعنوان"صباح الخير ياجوي". هذه المحطة هي واحدة من ممتلكات الملياردير اليهودي جورج سوروس وإحدى أدواته في مشروعات نشر الديمقراطية الأمريكية في الشرق الأوسط.!
يزامل الدكتور البرادعي أيضا كل من ريتشارد أرميتاج وكينيت الدلمان وهما من أهم رموز حركة المحافظين الجدد وأبرز الموقعين على وثيقة القرن الأمريكي الجديد التي أسست لسطوة المحافظين الجدد في واشنطن وبشرت بمملكة إسرائيل وأججت ما يسمى بالحرب على الإرهاب في أعقاب 11 سبتمبر وهي الحرب التي لم تنته حتى وقت كتابة هذه السطور!
هذه المنظمة وهذه الصحبة التي تزامل الدكتور البرادعي هي ذاتها التي ترى في بياناتها الصادرة عن هذه المجموعة والمنشورة على موقعها وفي عدد ضخم من وسائل الإعلام التي يهيمن عليها سوروس بأمواله، إن المجلس العسكري المصري هو الذي لا يريد أن يكون هناك دستور في مصر إلا بعد إجراء الانتخابات البرلمانية وأن هذا السلوك يحبط كل مطلب لثوار مصر هذه المنظمة وهذه الصحبة هي التي تشرف على تمويل منظمات المجتمع المدني المصرية التي تقود حملة شرسة من أجل الحشد والتظاهر والاعتصام وحتى الإضراب من أجل "الدستور أولا". وتصل الأموال من خلال بيت الحرية "فريدوم هاوس" والوقف الديمقراطي "ناشونال إنداومنت". ومن خلال عدد من البرامج أهمها مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط والذي حصلت من خلاله جمعية المركز الأمريكى للتضامن العمالي الدولي على 318.757 دولارا و هو الرقم الأضخم الذي وصل بعد قيام ثورة 25 يناير للقاهرة وهي ذات المنظمة التي أشار المحلل السياسي الأمريكى توني كارتالوتشي إليها بوصفها الداعم الأكبر للدكتور محمد البرادعي!
وفي 24 فبراير الماضي أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرها رقم 101 بشأن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وهو التقرير الذي صدر بمساعدة مكتب المجموعة في القاهرة، وكان بعنوان: الاحتجاجات الشعبية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط هل مصر منتصرة؟. أعادت فيه هذه المنظمة ما سبق وتم تزويره في الصحافة الأمريكية من تاريخ الثورة وبالذات ما يخص قيادة حركة 6 إبريل للثورة المصرية وما يخص الخبرات التي حصلت عليها هذه الحركة. بل وذهبت لرصد الأحداث اليومية لتطورات الثورة المصرية من وجهة نظر المجموعة الدولية للأزمات وباحثيها الذين كانوا يقومون بإمدادها بتقارير ومقابلات يومية. والأهم أن هذا التقرير رسم خارطة طريق للدولة المصرية فيما بعد ثورة يناير لكن الأكثر إثارة هو أن هذا التقرير رسم الطريقة والخطوات التي يتوجب أن يصاغ بها الدستور المصري الجديد "ولاحظوا تاريخ صدوره" بل وحدد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية ما يتوجب عليه عمله في المرحلة الانتقالية وبالذات ما يخص دعم إنشاء نقابات عمالية جديدة ومستقلة!
- مجموعة خلق الأزمات
عملية تزوير تاريخ الثورة المصرية لم تقف عند هذا الحد، فمثلما اعتمد مجلس أمناء المجموعة الدولية للأزمات خارطة طريق لمصر التي كتبوا تاريخها ويرغبون رؤيتها وفقا لما قرروه من ماضيها جاء دور الكونجرس الأمريكى في رسم خارطة الطريق للدولة المصرية الجديدة تلك الدولة التي استقر في ضمائرهم أن ثورتها صنعت بفلوسهم وإلا كيف نفسر هذا التقرير الخطير الذي نشرته مجلة فورين بوليسي في عددها الصادر في 15 فبراير - أي بعد التأريخ المزور للنيويورك تايمز بنحو 48 ساعة بعنوان: الكونجرس يحضر لحزمة تمويل استقرار الشرق الأوسط هذا التقرير كتبه جوش روجن ونقل فيه عن السيناتور الجمهوري مارك كيرك قوله: إن هناك حاجة لتمويل مصر وإسرائيل والأردن وأن يحصلوا على التمويل التام للعام المالي 2011 فورا وهو أمر تمت مناقشته وأنا أدعمه تماما وأضاف المحرر: في أروقة الكونجرس هناك الكثير من الدعم لتمويل المساعدات إلى إسرائيل التي تصل إلى 3 مليارات دولار سنويا لكن بعض الجمهوريين يبحثون قصر المساعدات لغيرها من دول الشرق الاوسط وبالذات مصر، إذ تقول رئيسة لجنة الشئون الدولية بالكونجرس النائبة الجمهورية إليانا روز ليتينين أنه يتوجب وقف المزيد من التمويلات عن مصر ما لم يقوموا بإقصاء الجماعات الإسلامية مثل جماعة الإخوان المسلمين من المشاركة في الحكومة الجديدة بينما يقول هوارد بيرمان النائب الديمقراطي إن التمويل الجديد لمصر كان مطلوبا لتعزيز الجماعات السياسية والعلمانية التي تم تهميشها عبر العقود الماضية في ظل النظام السابق و بالتالي يدعم بيرمان زيادة التمويلات للمنظمات المؤسسة أمريكيا "بالنص: U.S.-based organizations "والتي تروج للمجتمع المدني في مصر مثل المعهد الديمقراطي والمعهد الج هوري والوقف الوطني للديمقراطية "ناشونال إنداومنت" ومكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال بوزارة الخارجية الأمريكية وقال بيرمان: نحن في حاجة لأن نقوم بتعليم الجماعات المصرية السياسية المعتدلة كيفية الاتصال فيما بينهم وكيف يقومون ببناء أحزاب سياسية وكيفية التنظيم وهناك طريقة لعمل ذلك من دون أن نختار من نريد ولكن من خلال منح الأحزاب العلمانية بعض المهارات وبعض المصادر التي تمكنهم من الحركة و أضاف بيرمان أن زيادة المساعدات لمصر الآن لا يتوجب تجميدها بسبب الشكوك والمخاوف من جماعة الإخوان المسلمين التي يرى أنها غير معنية ببرامج المعهد الجمهوري أو المعهد الديمقراطي وقال: أمريكا ليس بمقدورها أن تقرر من الذي يشارك "سياسيا" و لا ينبغي علينا ذلك فقد نعيق القضية التي نتشارك فيها جميعنا (!!) مبارك هو الذي تخطى الحدود وقال إما أنا وإما الإخوان المسلمين أما نحن فوظيفتنا هي خلق البديل فإذا كان لدى جماعات سياسية الفرصة في التنظيم فإن الغالبية العظمى من المصريين لن تنظر إلى أجندة الإخوان المسلمين!
هذا الجدل وتلك الرؤية تخفي من ورائها صورة ساطعة للإرادة الأمريكية في رسم صورة مصر الجديدة وإذا كانت الفلوس والخبرة والتدريب الأمريكى وراء الثورة المصرية فما المانع في رسم المستقبل بل ما الذي يمنع أمريكا بأسرها من تقديم صورة الرجل الأمريكى الذي أسقط الرئيس حسني مبارك وأزاحه بحرفية وتواضع شديدين من مبنى مجهول في أحد شوارع بوسطن؟
- غاندي اليهودي يقود الثورة
في 16 فبراير جرى الكشف في الولايات المتحدة عن القائد والملهم للثورة المصرية الجنرال الذي حرك الجماهير في الشوارع وعلم المصريين الحرية إنه الرجل الذي حار رجال مخابرات العالم في البحث عنه في ميدان التحرير وهاهم يكشفون عن مدى خجله وتواضعه ففي تقرير نشرته النيويورك تايمز بعنوان: مثقف أمريكي خجول ابتدع كتابا يستخدم في الثورة كتبت شيريل جاي ستولبرج عن اليهودي جين شارب البالغ من العمر 83 سنة تقول: في منتصف الطريق حول العالم من ميدان التحرير في القاهرة يقبع رجل مسن في بيته بأحد الأحياء العمالية الفقيرة في بوسطن يعكف بهدوء في مكتبه بشعره الأبيض على الإشراف على بعض زهور الأوركيد التي ينميها ويدقق في صفحات الإنترنت ولا يخطر ببال أحد أنه رجل خطير لكن أفكاره تبدو فتاكة و الحق أن قلة من الأمريكيين تعرف جين شارب لكن لعقود طوال كانت كتاباته التطبيقية في مجال الثورات اللاعنيفة "السلمية" وأشهرها كتاب "من الديكتاتورية للديمقراطية" وهو دليل مكون من 93 صفحة لاسقاط الطغاة هذا الكتاب هو الذي ألهم المعارضين حول العالم بما فيهم الثوار في بورما والبوسنة واستونيا وزيمبابوي وأخيرا حاليا في تونس ومصر.
وعندما كانت حركة 6 إبريل في مصر تحاول أن تتعافى من فشلها الذريع في عام 2005"لاحظوا التاريخ ولاحظوا أن الحركة تأسست بعده" حاول قادتها البحث عن أفكار مجنونة من أجل إسقاط الحكومة وهذا ما يقوله أحمد ماهر القيادة الإستراتيجية للحركة، وبالتالي انقلبت الحركة إلى طريق جين شارب وهم يتفحصون حركة أوتبور الصربية التي تأثرت تماما بأفكاره.
وعندما تسلل أعضاء المركز الدولي للصراعات غير العنيفة - وهو كيان غير حزبي - إلى القاهرة منذ عدة سنوات خلت من أجل عقد ورشة عمل كان من بين الأوراق التي وزعت خلال هذه الورشة كتيب لجين شارب بعنوان» 198 طريقة للعمل غير العنيف" وهي قائمة بالتكتيكات التي تتنوع ما بين الإضراب عن الطعام إلى الاحتجاج الشامل وصولا إلى الكشف عن هويات العملاء السريين "للمباحث"!
داليا زيادة وهي مدونة مصرية وناشطة حضرت ورشة العمل وقامت من بعدها بإنشاء ورش عمل مشابهة من تلقاء نفسها قالت ان المتدربين كانوا من النشطاء فيما بعد في الثورتين التونسية والمصرية وقالت إن بعض النشطاء قاموا بترجمة مقاطع من أعمال جين شارب إلى اللغة العربية وأن أهم ما رسخ في أذهانهم كانت أفكاره عن مهاجمة نقاط ضعف الديكتاتور!
بيتر أكرمان، وهو واحد من تلاميذ جين شارب وهو الذي أسس مركز اللاعنف وقاد ورشة العمل في القاهرة أكد البرهان في أفكار جين شارب ووصف أعماله بأنها أفكار لها نفوذها وقوتها!
و جين شارب بأنفه الشامخة ووجهه المتواضع هو أقرب لنموذج المفكر منه إلى الثوري، برغم أنه في شبابه شارك في حملة اعتصامات وقضى تسعة أشهر في السجون الفيدرالية لموقفه من الحرب الكورية، والحق انه لم تكن له أي صلة مباشرة بالمتظاهرين المصريين - على حد قوله - وإن كان أخيرا قد علم أن حركة الإخوان المسلمين المصرية قد نشرت كتابه "من الديكتاتورية للديمقراطية"على موقعها الإليكتروني.
و بينما يتم النظر إلى الثورة التي أقصت حسني مبارك على أنها شجاعة، يقول شارب: لقد فعلها شعب مصر ولم أفعلها أنا لقد كان شارب يتابع الثورة المصرية من على شاشات محطة سي إن إن من بيته المتواضع في شرق بوسطن، وهو البيت الذي اشتراه عام 1986 بمائة وخمسين دولار بخلاف المتأخرات الضريبية التي كانت على العقار لقد تزايدت قيمة العقار عندما تم تحويله إلى مقر رئيسي لمعهد ألبرت أينشتاين وهي منظمة أسسها السيد شارب عام 1983 بينما كان يدير بعض الحلقات الدراسية في جامعة هارفارد ويقوم بتدريس العلوم السياسية فيما يسمى الآن جامعة ماساشوستس في دورتماوث وهذا المعهد (أينشتاين) يتكون منه ومن مساعدته جميلة رجب والتي فرت عائلتها من القمع السوفييتي في أفغانستان عندما كانت في الخامسة من عمرها والمبنى الذي يضمهم مكتوب عليه من الخارج عبارة"جوتوف جي" وهي العبارة الصربية التي ترجمتها: لقد انتهى أمره!
في عصرنا هذا الذي تقود فيه "تويتر" الثورات، يتضمن الإنترنت القليل للسيد جين شارب فلا صفحة له على الفيس بوك وهو لا يحب أن يشارك في صفحة معهد ألبرت أينشتاين على الإنترنت وإذا كان عليه أن يرسل ببريد إلكترونى فهو يستشير مساعدته الأفغانية في أن تكتب على جهاز حاسوبه من طراز ماكنتوش المحشور إلى جوار كنبه وأبحاثه و الحق أن بعض الناس يشكون في أن شارب يساري لكن أعماله تستند إلى ثوريين من أمثال غاندي وللحركات الثورية اللاعنفية والحقوق المدنية وحركات المقاطعة الاقتصادية وقد خلص إلى أن انتزاع الحريات تتطلب إستراتيجية وتخطيطا دقيقا ومن بين النصائح التي تقول الآنسة داليا زيادة إنه كان لها أثرها بين قادة الشباب في مصر أن أفضل الطرق هو الاحتجاجات السلمية ليس - كما يقول شارب لأسباب أخلاقية وإنما لكون العنف يستفز الطغاة للانقضاض إذ يقول: إذا ما ناضلت بالعنف فأنت تقاتل بأفضل سلاح في يد عدوك وقد تبدو جريئا وإن كنت ستموت كبطل!
والطغاة يكرهون السيد شارب ففي عام 2007 أدان هوجو شافيز أعمال جين شارب وبعض المسئولين في ميانمار طبقا للوثائق الدبلوماسية التي سربها موقع ويكيليكس اتهموه بأنه جزء من المؤامرة التي استهدفت إسقاط الحكومة وبعد ذلك بعام، أي في 2006 أظهرت برقية دبلوماسية مسربة عن السفارة الأمريكية في سوريا أن المعارضين السوريين قد تدربوا على المقاومة اللا عنيفة بقراءة كتابات جين شارب!
في 2008 قالت إيران: إن السيد شارب ومعه السيناتور الأمريكى جون ماكين والملياردير جورج سوروس كانوا وراء فيديو دعائي لتحريض الجماهير وقالوا إن شارب هو أحد العملاء المعروفين لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية وأنه هو المسئول عن الاختراق الأمريكى للدول الأخرى وعن ذلك يقول ستيفن زيونز الخبير الإستراتيجي بجامعة سان فرانسيسكو إن جين شارب يعتبر عموما الأب الروحي لكل مجال إستراتيجيات أعمال اللا عنف بعض من تلك القصص التي بالغت في دوره تدور في أرجاء العالم وتؤجج الثورات وتقود أعمال الشغب يا لها من نكتة، فهو فحسب يقوم بأعمال البحث والأعمال النظرية لا تأجيج الثورات على أن الجميع لا يظهر انبهارا به فالدكتور أسعد أبوخليل العالم السياسي اللبناني ومؤسس مدونة خدمة أخبار العرب الغاضبين شكا من أن بعض الصحفيين الغربيين ينظرون إلى جين شارب وكأنه لورانس العرب. وهم يفسرون نجاح المصريين في ثورتهم في محاولة استعمارية لإنكار أى إنجاز للشعب المصري في ثورته!
السيد جين شارب الذي لم يسبق له الزواج أبدا انتهى أخيرا - أي بعد الثورة المصرية - من تأليف "موسوعة شارب للنفوذ والكفاح مصطلحات المقاومة المدنية أثناء الصراعات" وهو بسبيله للنشر الخريف المقبل من مطبعة أوكسفورد وهو يريد أن ينبه القراء إلى أنه لم يختر العنوان. وإلى ذلك يركز جين شارب كل اهتمامه للآن على الشرق الأوسط لقد انبهر بالثورة المصرية وبالمتظاهرين المصريين وبالتزامهم بالنظام والحركة السلمية وبالذات لافتقارهم للخوف وهنا يقول: هذا تماما ما فعله غاندي فإذا لم يخف الناس من الديكتاتورية فإن الديكتاتورية تقع في ورطة!
إلى هنا انتهت هذه الحلقة من كشف التزوير الذي قادته صحيفة النيويورك تايمز خلال الساعات الأولى من نجاح الثورة المصرية في 11 فبراير 2001 لكن تظل عالقة في سماوات القاهرة مئات من علامات الاستفهام من هم الذين تسللوا لمصر لنشر أفكار جين شارب وبيتر أكرمان؟ كيف دخل القاهرة وهو الرجل الذي يعلم القاصي والداني أنه وراء ألعاب فيديو تغيير الأنظمة وهي الألعاب التي دربت المتظاهرين في أوكرانيا وجورجيا؟ ثم من هي هذه الداليا زيادة وما دورها في الترويج لأفكار جين شارب ثم، وهذا هو الأهم: كيف تتبجح واشنطن في نسب قيادة الثورة المصرية لليهودي جين شارب؟!!
وإلى الحلقة القادمة


المصدر: الأهرام العربى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق