الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

رأس بشار الأسد. بيد تجار سوريا

ابريل 2011
 
المصدر: الأهرام العربى


هل تحترق دمشق بنيران ثورتى تونس ومصر؟. وماذا تفعل إيران لو اختفى النظام الشريك؟ وهل ستحظى حركتا حماس والجهاد الفلسطينيتان بنفس الوضع؟ وهل حزب الله سيتأثر.؟! كل الشواهد تؤكد حتى وقت كتابة هذه السطور أن سوريا على الخط السريع للثورات الاجتماعية التى ينتشر لهيبها فى أرجاء المنطقة. من اليمن إلى ليبيا، ومن البحرين للمغرب. ومن المنطقة الشرقية بالسعودية إلى العاصمة الأردنية. ومن شوارع الجزائر إلى ديوانيات الكويت. مرورا بلهيب القمع فى شوارع بغداد!
المؤكد أن سوريا ليست ليبيا ولا تونس ولا حتى مصر، فالشعوب العربية ثرية فى تباينها الاجتماعى والسياسى والاقتصادى. لكن الغضب الذى يجتاح شوارع درعا وحلب واللاذقية ودمشق. من ذات النسيج الواحد الذى يطالب فى كل أرجاء العالم العربى بإسقاط النظام. لدرجة تدفعنا للتساؤل عن الكيفية التى سيحدث بها الأمر فى سوريا. لا عن توقيته!
الآن، وبالنظر للوضع الإقليمى ومكانة دمشق من التفاعل فى الشرق الأوسط. يصبح تقدير الموقف هو مفتاح فهم المشهد السورى. من جديد التقينا المحلل السياسى والإستراتيجى اللواء محمد رشاد. لنفهم ما الذى حدث ولماذا يحدث. والأهم ما الذى سيحدث. ولماذا؟! سألناه.
كيف يمكننا فهم اندلاع التظاهرات فى سوريا، خصوصاً أن بشار الأسد كان قد استجاب من البداية للتطورات التى شهدتها تونس ومصر بتوكيد الثقة فى أن بلاده فى منأى من المصير الذى آلت إليه الأنظمة فى تونس والقاهرة؟
لقد اندلعت فورة الشباب فى درعا بسوريا فى الأيام الأخيرة، اعتبارا من الثلث الأخير من مارس مطالبة بالإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى، تماشيا مع ما حدث فى تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن، وتحاول السلطات السورية السيطرة على الموقف فى درعا، وعدم امتداده إلى بقية مدن الجمهورية السورية بإطلاق مجموعة من الحوافز السياسية والاقتصادية لتهدئة الجماهير وبدء السلطة السورية عمليات الإصلاح السياسى والاقتصادى. والواقع أن الموقف السورى يتصف ـ فعلا ـ بخصوصية معينة تختلف عن باقى الدول العربية داخليا وإقليميا ودوليا.
دعنا نبدأ بالموقف الداخلي، إلى أى مدى يمكننا تقييم طبيعة وقدرات وآليات النظام السياسى السوري؟
تتمثل المنظومة السياسية فى سوريا فى حزب البعث السوري، وبدون أى منافس له من أية قوى سياسية أخرى فى الحكم منذ بدء الانفصال تقريبا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961، وفى ذلك الوقت تولى حزب البعث السورى القيادة القومية للحزب فى كل من سوريا والعراق التى تولت القيادة القطرية للحزب، وذلك لاحتضان سوريا لميشيل عفلق مؤسس وفيلسوف حزب البعث العربى فى كل من سوريا والعراق.وبعد توتر العلاقات بين نظام الحكم فى سوريا فى ذلك التوقيت (حافظ الأسد) وميشيل عفلق، والذى انتقل ذلك الأخير على إثرها للعراق فى عهد الرئيس صدام حسين، تبدلت الأحوال وأصبح العراق يتولى القيادة القومية لحزب البعث فى كل من العراق وسوريا، وتبنى نظام الحكم فى العراق بقيادة صدام حسين سياسة تتخطى حدود العراق إلى جميع الدول العربية، وأنشأ فروعا للحزب فى معظم الدول العربية يتولاها قيادة لهذه الأفرع بالعراق، وكانت جميع أفرع الحزب فى الدول العربية عبارة عن خلايا سرية لنشر أفكار الحزب لدى الشباب، وصولا إلى قومية الحزب فى الدول العربية. وتولى العراق تمويل جميع العناصر التى تنتمى للحزب خارج العراق، والتى تم تصفيتها بعد الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، داخل وخارج العراق. بالإضافة إلى ما سبق فإن حزب البعث السورى يتولى السيطرة على الموقف الداخلى فى سوريا وبإحكام شديد ويتغلغل فى جميع المؤسسات السياسية والعسكرية والاجتماعية للدولة، ويملك آلياته العلنية والسرية المسلحة، والتى تساعده على إحكام السيطرة على الموقف الداخلى السوري.
إذا كان الموقف تحت السيطرة سياسيا كما ذكرتم. فهل الأمر كذلك اقتصاديا؟
القاطرة الاقتصادية فى سوريا - وبصفة خاصة - تقود قاطرة السياسة، ولا تسمح القوى الاقتصادية لأية مؤثرات سياسية أن تحد من نشاطها أو المساس بها، ولو أدى الأمر إلى تحجيم الأوضاع السياسية أو تغييرها كما حدث فى انفصال القطرين عام 1961، خلال فترة الوحدة مع مصر، ردا على احتمالات إصدار قوانين التأميم بعد الوحدة والتى لا تتمشى مع التركيبة التجارية والاجتماعية لسوريا.
هل يمكننا أن نفهم من ذلك أن للقاطرة الاقتصادية تلك علاقة بالكتلة الصلبة السورية. الجيش؟
قيادات القوات المسلحة السورية تنتمى تنظيميا وقياديا إلى حزب البعث الحاكم، والجيش يسهم بقدر كبير فى دعم المنظومة السياسية وتعتبر رمانة الميزان لأمن النظام الحاكم فى سوريا.
هذا عن الموقف الداخلى. ماذا عن موقف سوريا الإقليمى والعربى فى اللحظة الراهنة؟
تتحكم سوريا عربيا فى السيطرة على سياسة حركة حماس فى قطاع غزة وخارجها بحكم احتضانها وتأمينها لقيادات حماس فى دمشق والقيادات الفلسطينية الأخرى التى تتوافق سياستها مع حركة حماس. وسوريا أيضا تمتلك القدرة على ترتيب الأوضاع السياسية والداخلية فى لبنان والعمل على استقرارها بما يتفق مع سياستها وأمن سوريا القومى. ثم لا ينبغى أن نتغافل عن احتضان سوريا لقيادات البعث العراقى باعتبارها مركزا للقيادة القومية لحزب البعث العربى والذى يشكل تحرك عناصرها ضد العراق تهديدا للعملية السياسية بها. ودمشق حريصة على تعزيز دورها الإقليمى بالانفتاح على إيران. والعمل أيضا كحلقة اتصال بين إيران وكل من حزب الله فى لبنان. وحركة حماس فى دمشق وغزة، بالإضافة إلى تدعيم قدراتها الصاروخية بالدعم الإيرانى فى هذا المجال. هذا من الجانب السياسي، اقتصاديا سنجد أن سوريا تعمل على تعزيز دورها الإقليمى كقوة اقتصادية محورية صاعدة فى المنطقة العربية، وذلك بالانفتاح على إيران وتركيا فى جميع المجالات الاقتصادية لإنعاش اقتصادها وتقويته. وعلى ضوء كل ذلك فإن سوريا قد حققت مقومات الدولة المحورية عربيا وإقليميا، مما يؤهلها بصفة مستمرة القيام بأدوار رئيسية فى الصراعات القائمة فى منطقة الشرق الأوسط مثل الملف النووى الإيرانى والمشكلة الفلسطينية والموقف السياسى فى لبنان. وغيره.
بمقابل هذه المكانة الإقليمية، هل يمكن أن نتوقع هنا أى دور لإسرائيل فى محاصرة هذه المكانة وبالتالى أن تكون صاحبة مصلحة فى التدخل فى تفاعل البيئة الداخلية السورية. مثلا من خلال استمرار تهديدها لسوريا من جهة هضبة الجولان؟
الأهداف الإسرائيلية فى قضية الأراضى السورية المحتلة (هضبة الجولان) واضحة ومحددة فى المدى القريب والبعيد والحد الأدنى والحد الأقصى من التنازلات المسموح بها أمنيا، ولا يغير من هذا الهدف أى نظام سياسى والاختلاف الوحيد هو الأسلوب، فمنهم من هو استفزازى (نيتانياهو) ومنهم من هو عادى. لأن أجندات ومراحل التفاوض متفق عليها ومحددة طبقا للمتغيرات العربية والإقليمية والدولية، ولقد تم وضع أسس هذه الأهداف الإسرائيلية منذ عام 1968، حيث تناوله إيجال آلون أحد القادة من جيل الريادة فى كتابه الذى صدر عن الأمن الإسرائيلى. وبالإضافة إلى ما سبق فإنه قد توافرت للقيادة السورية قناعة بأن قضية هضبة الجولان لا يمكن حلها إلا بالتفاوض بعيدا عن العمل العسكرى الذى حقق ويحقق لإسرائيل بصفة مستمرة التفوق العسكرى لها ضد جميع الدول العربية مجتمعة، ولذلك فلقد بدأت سوريا محاولة حل قضية الجولان بالتفاوض غير المباشر من خلال وساطة تركيا، إلا أنها توقفت تماما بعد توتر وتوقف العلاقات بين سوريا وإسرائيل، وبالتالى فإن تعامل إسرائيل مع أى نظام سورى حاليا أو مستقبلا لن يكون إلا من خلال المفاوضات لحل قضية الجولان بدون أى بديل آخر.
من البداية والرئيس بشار الأسد يتحدث عن المؤامرات والأجندات الخارجية فى إشارة لمخططات واشنطن لإشاعة الفوضى الخلاقة بمنطقة الشرق الأوسط. هل هناك فعلا بصمات أمريكية فيما يحدث من غليان فى الشارع السوري؟
مبدئيا لابد من الالتفات إلى حقيقة أن الولايات المتحدة الأمريكية تهيمن سياسيا على الموقف فى الشرق الأوسط حاليا، ولا توجد أية قوى دولية أخرى تنافسها فى نفوذها بالمنطقة، ورغم أن سوريا ولبنان كانتا ضمن النفوذ الفرنسى بعد الحرب العالمية الثانية، فإن هذا النفوذ الفرنسى قد تقلص بمرور الوقت وأصبحت المنطقة نفوذا خالصا للولايات المتحدة الأمريكية. ولقد تعرضت العلاقات الأمريكية ـ السورية إلى العديد من الاهتزازات، وكان من أثرها وآخرها قطع العلاقات بينهما على خلفية اغتيال الحريرى فى لبنان وتوتر العلاقات بينهما طوال حكم الرئيس بوش واتهامه لسوريا بتدخلها فى الشئون الداخلية للبنان وتهديد الاستقرار فيها، بالإضافة إلى تدخلها فى ذلك الوقت أيضا فى العراق مما هدد استقراره. وبعد أن حققت سوريا عدة إيجابيات ملموسة فى سياستها الخارجية فى المجالين العربى والإقليمي، فلقد طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من سوريا فى أوائل فبراير عام 2010، إعادة العلاقات السياسية الطبيعية معها وأعلنت أن لديها الرغبة فى تطوير هذه العلاقة بما ينعكس إيجابيا على مصالح البلدين ووافقت سوريا على تعيين السفير الأمريكى لديها، إلا أن وصول السفير الأمريكى لسوريا قد توقف بسبب توتر الموقف من قبل إسرائيل حول تسليح حزب الله فى لبنان واتهام سوريا بالتورط فى ذلك. وبعد هدوء هذه الأزمة وصل السفير الأمريكى أخيرا للعمل فى سوريا. وبناء على ما سبق فقد اقتنصت الولايات المتحدة الأمريكية أن سوريا قد أصبحت قوة محورية عربيا وإقليميا ولديها القدرة على دعم إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، مما حدا بها إلى الاقتراب منها وإعادة العلاقات معها للمحاولة من خلالها إنهاء الصراعات فى المنطقة خصوصاً العراق بما يحقق الاستقرار بها، والذى يتماشى مع إستراتيجيتها فى منطقة الشرق الأوسط.
إذا كانت واشنطن ليست صاحبة مصلحة فى تغيير النظام السورى. فما إمكانية تغيير النظام السورى أسوة بما حدث فى المنطقة العربية حاليا ومستقبلا. وصولا إلى تحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للجماهير السورية؟
فعلا، لا توجد أية مصلحة للقوى الخارجية حاليا خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لتغيير النظام فى سوريا، وبالتالى لن تتدخل فى أية صراعات فى الوقت الحالى انتظارا لمردود وحركة الشارع السورى والتى مازالت تحت السيطرة من نظام الحكم فى سوريا. وهو نظام بعثى عقائدى يمثل القيادة القومية لحزب البعث العربى وله تنظيماته العلنية والسرية التى تغطى سوريا منذ فترة طويلة راسخة ومن الصعب النيل منها أو تغييرها بسهولة من خلال فورة شعبية. ثم إن المؤسسات السياسية والشعبية فى سوريا تنتمى إلى حزب البعث وتدين له بالولاء الكامل وقادرة على السيطرة على الشارع السورى بدون أية مساعدات خارجية. وكذلك سنجد أن طبقة التجار فى سوريا يتحكمون فى السياسة وتحرص على الحد من أية اضطرابات أو انفلات أمنى يؤثران على مصالحهم وأموالهم. ولا يمكن أن نغفل أن حزب الله فى لبنان وفلول حزب البعث العراقى تمثل إحدى القواعد لدعم نظام الحكم السورى حيث إنهم أصحاب مصلحة فى استمرار نظام الحكم الحالى خصوصاً حزب الله الذى سيقاتل من أجل استمراره واستقراره. وعلى المستوى العربى فإنه مما لا شك فيه أن الأحداث الدموية الجارية حاليا فى ليبيا قد أصابت السوريين بالهلع وذكرتهم بما قام به الرئيس حافظ الأسد فى ذلك الوقت من قمع ضد انتفاضة الإخوان المسلمين عام 1982، فى حلب. وعلى ضوء كل ماسبق فإن تغيير نظام الحكم فى سوريا لابد أن ينطلق من ضوء أخضر من طبقة التجار وانقلاب حزب البعث السورى بالاتفاق مع القوات المسلحة السورية على نظام الحكم فيها، ولابد من ائتلاف هذا التحالف للتخلص من نظام الحكم السوري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق